شهدت جلسة الحوار التفاعلي في إطار الاستعراض الدوري الشامل للمملكة العربية السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان يوم 4 يوليو/ تموز الجاري 2024 مداولات مهمة حول حالة حقوق الإنسان في البلد بمشاركة ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وذلك ضمن أعمال الدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في قصر الأمم بجنيف خلال الفترة من 18 يونيو/ حزيران حتى 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
تناولت الجلسة العديد من المداخلات المقدمة من طرف الدول، قبل أن تتاح الفرصة لمنظمات المجتمع المدني لإبداء مآخذها وملاحظاتها بشأن أبرز الاهتمامات التي تشغل حيزًا من اهتماماتها.
وحرصت الكرامة في وقت سابق على تقديم تقرير موازٍ إلى مجلس حقوق في سياق الاستعراض الدوري الشامل للسعودية، تناولت من خلاله العديد من القضايا الرئيسية وسردت بعض الأمثلة من الانتهاكات من واقع الحالات التي قامت بتوثيقها.
خلال الحوار التفاعلي قدمت السعودية عبر ممثلتها السيدة هالة مزيد التويجري رئيسة لجنة حقوق الإنسان في السعودية عرضًا حول التوصيات التي تلقتها المملكة وهي 354 توصية من قبل 135 دولة، وقالت إنه تمت دراستها من قبل الهيئات الوطنية السعودية، وزعمت أنها تعاملت بإيجابية معها، وأيدت 273 توصية، بالإضافة إلى تأييد 24 توصية جزئيًا ورفض خمس توصيات، وأخذت العلم بـ 52 توصية، وزعمت أن معظم التوصيات مطبقة في السعودية بالأساس!.
ويظهر من خلال كلمة ممثلة السعودية القبول بالتوصيات المتعلقة بالصحة والتعليم ورعاية كبار السن، لكنها بدت أقل اهتمامًا في ما يتعلق بالتوصيات المتعلقة بالتشريعات والإطار القانوني والمؤسسي لحقوق الإنسان.
وتلاحظ الكرامة أنه رغم قبول السعودية بالتوصية المتعلقة بالتعاون مع آليات الأمم المتحدة، غير أنها لا تتعاطي بشكل إيجابي مع الآراء الصادرة عن الإجراءات الخاصة المعنية بحقوق الإنسان بخاصة آراء فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي.
ولهذا، تطرقت مداخلات المنظمات غير الحكومية في جلسة الحوار التفاعلي إلى أعمال القمع والاضطهاد والتنكيل التي لا تزال تمارسها السلطات السعودية ضد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومعاناة العمال في ظل ظروف عمل قاسية، وكذا الآثار الكارثية للهجمات السعودية الإماراتية على البنية التحتية للخدمات الأساسية في اليمن.
وقد أشارت مداخلة لوفد منظمة القسط لحقوق الإنسان المعنية بالسعودية إلى التوصيات المتعلقة بانضمام الدولة إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري وتطرقت لملف معتقلي الرأي والنشطاء المعتقلين بمن فيهم المحامي محمد القحطاني وغيره، وانتقدت تقاعس السعودية عن تنفيذ توصيات سابقة بخصوص ضمان حرية التعبير، كما انتقدت رفض السعودية القبول بالانضمام إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وتطرقت بعض المداخلات إلى أحكام الإعدام الصادرة في المملكة على خلفية ممارسة الحق في حرية التعبير، ودعت إلى عدم التصويت لصالح السعودية في عضوية مجلس حقوق الإنسان خلال نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
تعديل القوانين
وفي السياق أيضًا طالبت بعض المداخلات مجددًا بتعديل التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية بما يتواءم مع القوانين والمعاهدات الدولية، وهي واحدة من أهم المطالب الواردة في التوصيات خلال الدورات السابقة، لكن ممارسات السلطات السعودية تؤكد عدم احترامها.
وانتقدت بعض المداخلات امتناع السعودية عن قبول التوصية المتعلقة بالكف عن ممارسة أعمال الانتقام ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمتعاونين مع آليات حقوق الإنسان الأممية.
واعتبرت الناشطة السعودية لينا الهذلول رفض بلادها التوصية التي تقدمت بها بلجيكا والتي تشدد على ضرورة الكف عن الانتقام ضد المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب تفاعلهم مع آليات الأمم المتحدة، اعتبرت ذلك إصرارًا من حكومة بلادها على المضي في سياسة استهداف النشطاء بمن فيهم استهدافها واستهداف شقيقتها الناشطة لجين الهذلول.
وتطرقت الهذلول إلى رفض السعودية تنفيذ الآراء الصادرة عن فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي بخصوص معتقلي الرأي، كما انتقدت رفض التوصية المتعلقة برفع حظر السفر عن المدافعين عن حقوق الإنسان ومعتقلي الرأي الذين أكملوا مدة عقوبتهم.
نشاط الكرامة
تؤكد مداخلات المجتمع المدني خلال جلسة النقاش العامة أهمية النشاط الذي تبذله الكرامة على مدى سنوات من خلال رفع الشكاوي الفردية أمام الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة واستصدار الآراء من الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي وكذا التقارير الموازية التي قدمتها الكرامة، حيث قدمنا تقارير متوالية خلال الدورات السابقة، شملت أبزر القضايا الملحة في مجال حقوق الإنسان في السعودية.
وقد حرص الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل على استيعاب أكبر قدر ممكن من التوصيات التي قدمتها الكرامة في تقريرها الأخير ومن أهمها: المصادقة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والبرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وإعادة النظر في قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الالكترونية.
وفي تقريرها أيضًا سلطت الكرامة الضوء على "مراكز المناصحة" التي أطلقت عام 2007. وتزعم السلطات السعودية أن هذه المراكز بمثابة برنامج لإعادة إدماج وتأهيل "الإرهابيين" الذين قضوا كامل مدة عقوبتهم في السجن، لكن من الناحية العملية، تسمح هذه المراكز باحتجاز العديد من الأفراد تعسفًا بعد قضاء مدة عقوبتهم، دون مراجعة قضائية، بذريعة أنهم قد يشكلون "تهديدًا" في المستقبل؛ لأنهم قد يستمرون في اعتناق آراء مخالفة بعد الإفراج عنهم. تم تصميم مراكز "المناصحة" في الواقع لإكراه السجناء السياسيين على التعبير عن الولاء المطلق للسلطة الملكية مقابل إطلاق سراحهم.
وشددت الكرامة في تقريرها أيضًا على ضرورة تعريف وتجريم التعذيب وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب؛ وضمان التحقيق الفعّال في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة ومقاضاة مرتكبيها.