تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
Richard Falk

احتفل المستعمرون في نيو إنجلاند وكندا بعطلة "عيد الشكر لأول مرة كـ"أيام شكر" عشوائية، في شكل صلوات من أجل بركات الرحلات الآمنة أو الانتصارات العسكرية أو الحصاد الوفير. وقد صمم الأمريكيون في وقت لاحق احتفالهم بالعيد على غرار عيد الحصاد الذي أقيم في عام 1621، والذي شارك فيه الوامبانواغ وبعض المستعمرين الإنجليز الذين كانوا يبحثون عن ملجأ من الاضطهاد في وطنهم البريطاني، وأصبحوا يعرفون باسم "الحجاج".

في معظم بيوت أمريكا الشمالية، تحتفل العائلات الآن بشكل أساسي بنعمة التواجد معًا دون أي اعتراف أو حتى وعي بالأساطير التاريخية المحيطة بتحول الطقوس الدينية إلى العيد الوطني المعروف لدى الجميع باسم "عيد الشكر". لقد أصبح هذا العيد طريقة لتقديم الشكر على نعمة الحياة دون الانتباه إلى الأسس المظلمة التي قامت عليها هذه المستعمرات البريطانية الانفصالية بما في ذلك أساليب الإبادة الجماعية التي استخدمت لتطهير الأراضي من السكان الأصليين واستيراد العبيد من أفريقيا لجعل الأرض منتجة، مع التنكيل الوحشي بهؤلاء العمال في حقول القطن والأراضي الزراعية الذين تم انتزاعهم قسرًا من أوطانهم البعيدة بفعل أكثر جرائم الرأسمالية المبكرة افتراسًا. بالنسبة للتقدميين، كما هو الحال مع بعض الأعياد الأخرى التي يتم الاحتفال بها بسذاجة، وأبرزها "يوم كولومبوس"، أصبحت هذه المناسبات الاحتفالية أوقاتًا متزايدة للتذكير بالإخفاقات الأخلاقية الماضية من إجرام المجتمع والدولة.

يتخذ "عيد الشكر" هذا العام طابعًا إشكاليًا بشكل خاص، ليس بسبب الماضي ولكن بسبب الحاضر. وبالنسبة لي من الأفضل أن يُحتفل به كيوم للذكرى والندم. ويمكّن هذا المنظور المظلم من إنتاج توترات خلاقة بين الاستمتاع بوجبة الديك الرومي، مع بداية المجاعة الجماعية المتعمدة في قطاع غزة بين الفلسطينيين الناجين من الهجوم الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك التدخل في إيصال الغذاء من قبل عمال الإغاثة والمساعدات الدولية. كما أن هذا العام أيضًا يعدّ بمثابة تذكير قاتم بالدور الفعال لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية في تصعيد المخاطر النووية ورفض الدبلوماسية في الحرب الأوكرانية. فالولايات المتحدة، إلى جانب العديد من حلفائها في حلف شمال الأطلسي، مستعدة لأغراض واهمة للتضحية بأرواح الأوكرانيين ورفاهيتهم مع زيادة احتمالات نشوب حرب كبرى، حتى تتمكن من إذلال روسيا بهزيمة في ساحة المعركة.

من خلال التذكر والندم هذا العام، يمكننا أن نعيد إضفاء الرصانة على عيد شعبي من خلال نظرة فاحصة على روحنا الوطنية للهيمنة الغربية العالمية التي تعيشها شعوب العالم الخائبة والخائفة. نأمل أن نحتفل بـ"عيد الشكر" لعام 2025 بإيمان معتدل، ولكن بوعي وحسن نية بأن بركات الحياة الثمينة هي للجميع.

يمكن الاطلاع على النسخة الإنجليزية على مدونة الكاتب "العدالة العالمية في القرن 21"

البروفيسور ريتشارد فولك، عضو اللجنة الاستشارية لمنظمة الكرامة، هو باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية درّس في جامعة برينستون لمدة أربعين عاماً. يدرّس في الحرم الجامعي المحلي لجامعة كاليفورنيا في الدراسات العالمية والدولية. بين عامي 2008 و2014، شغل منصب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة. رُشّح مرارًا لجائزة نوبل للسلام منذ عام 2009.