
في 16 آذار/مارس 2017، قدّمت الكرامة، تقريرها الموازي حول ممارسة التعذيب في لبنان استعدادا لاستعراضه الأول أمام لجنة مناهضة التعذيب خلال دورتها الستين. أثنت الكرامة على الخطوات المشجعة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، لا سيّما اعتماد قانون إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وآلية وقاية وطنية تهتم بمراقبة جميع مراكز الاحتجاز، وسلّطت الضوء في الوقت عينه على ممارسة الأجهزة الأمنية للتعذيب أثناء الاستجواب لإرغام المعتقلين على الإدلاء باعترافات تستخدم كأدلة في المحاكمات لا سيّما أمام المحكمة العسكرية.
تهدف الكرامة من خلال تقريرها، إلى تزويد الخبراء المستقلين الـ 10 في لجنة مناهضة التعذيب بمعلومات موازية لتقييمهم التقرير الأولي للبنان بشأن تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب وتوصيات اللجنة التي أصدرتها في العام 2014 عقب التحقيق السري الذي أجرته في البلاد. علماً أنها ختمته بعدّة توصيات إلى السلطات اللبنانية تهدف إلى وضع حد لتلك الممارسة غير الإنسانية.
القانون اللبناني لا يحظر ولا يجرّم التعذيب
لا يعرف القانون اللبناني حاليا التعذيب و لا يحظره أو يجرمه. تمنع المادة 401 من قانون العقوبات وتجرم أعمال العنف التي "لا يجيزها القانون ضد أي شخص رغبة في الحصول منه على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها"، لكنها لا تشمل أعمالا أخرى مثل التخويف أو الإكراه على النحو الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب. وفي المقابل، يحاكم الجناة بالسجن لمدة تتراوح بين شهر واحد إلى ثلاثة أعوام، الأمر الذي لا يعكس خطورة الجريمة بصورة كافية.
ثمّة مشروع قانون مقدّم حالياً أمام البرلمان اللبناني يهدف إلى تعديل المادة 401 من قانون العقوبات. وتأمل الكرامة تعديل نص المادة لضمان امتثاله لاتفاقية مناهضة التعذيب.
الانتهاكات المرتكبة في إطار مكافحة الإرهاب
تُرتكب في انتهاكات نمطية لحقوق الإنسان لا سيّما في القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب والخاصة بالأمن الوطني. يعمد رجال الأمن والجيش عادة إلى إلقاء القبض على المشتبه فيهم واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة في ثكنات عسكرية، وهي مراكز غير مخصّصة للموقوفين ولا تخضع لأية رقابة قضائية، ويتعرض المحتجزون للتعذيب لإكراههم على الإدلاء باعترافات تستخدم كأدلة ضدهم خلال محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية، التي تتعرض لانتقادات واسعة بسبب صلاحيتها في محاكمة المدنيين، إضافة إلى عدم احترامها لضمانات المحاكمة العادلة.
من دواعي القلق الاشتباه المتزايد في اللاجئين السوريين على وجه الخصوص واتهامهم في قضايا الإرهاب، مما يزيد من خطر تعرضهم لهذا النوع من الانتهاكات الإنتهاكات، ولا يسلم حتى القاصرون من هذه المعاملة اللاإنسانية. فعلى سبيل المثال، نذكر قضية الفتى وليد دياب، 16 عاماً، الذي اعتقل في 12 أيلول/سبتمبر 2014 عند نقطة تفتيش عسكرية بجوار منزله في طرابلس، واحتجز بمعزل عن العالم الخارجي في مقر المخابرات العسكرية لمدة ثلاثة أشهر تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب. ثمّ أدانته المحكمة العسكرية بتهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية" على أساس اعترافاته التي أدلى بها تحت الإكراه أثناء احتجازه السري.
التعذيب، ممارسات بلا عقاب..
لاشكّ أن سبب انتشار ممارسة التعذيب في لبنان مرده إفلات الجناة من يد القانون. تُظهر عشرات الشهادات التي جمعتها الكرامة، أن قضاة المحاكم المدنية في الغالب وقضاة المحكمة العسكرية بشكل خاص ومنهجي لا يهتمون بمزاعم التعرض التعذيب التي يُبَلغون بها و لا يأمرون بفتح أي تحقيقات بشأنها، حتى ولو كانت آثار التعذيب بادية على جسد الضحية.
وبالفعل فإن الملاحقة القضائية للجناة من موظفي الدولة تصطدم بنص المادة 27 من القانون العسكري الذي يحصر صلاحية الملاحقة القضائية لمرتكبي الجرائم من عناصر الجيش وغيرهم من رجال الأمن، ومحاكمتهم وإدانتهم، بالمحكمة العسكرية دون غيرها. ولا يمكن اعتبار المحكمة العسكرية مستقلة بأية حال، كونها تتألف من قضاة يعيّن غالبيتهم من قبل الجيش، وتخضع لسلطة وزارة الدفاع نفسها.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنه لم يتمّ، حتى اليوم، إحالة قضية واحدة للتحقيق من ضمن ما يزيد عن 300 حالة تعذيب تتعلق بمعتقلي أحداث نهر البارد في شمال لبنان، ولايزال الجناة في مأمن من أي عقاب.
الكرامة تدعو الحكومة اللبنانية إلى وضع حد نهائي لممارسة التعذيب
أثارت الكرامة مجموعة المسائل المقلقة تتعلق بممارسة التعذيب في لبنان ووضعتها على قائمة الأولويات للقضاء التام على تلك الممارسة. وأشارت أنه يتوجب على السلطات اللبنانية إذا كانت بالفعل ترغب في القضاء على التعذيب، يجب عليها اتخاذ جملة من التدابير من بينها:
- تعريف التعذيب بشكل دقيق وتجريمه وضمان تحديد العقوبات القانونية بما يتناسب مع خطورة الجرم؛
- ضمان حصول جميع المحتجزين، بموجب القانون وفي الممارسة العملية، على جميع الضمانات القانونية والأساسية منذ بداية الاعتقال؛
- حصر اختصاص المحكمة العسكرية في محاكمة العسكريين دون سواهم وإحالة جميع القضايا المتعلقة بالمدنيين إلى المحاكم المدنية؛
- عدم الأخذ بالاعترافات المنتزعة تحت التعذيب واعتبار المحاكمات التي استندت إليها باطلة ولاغية، وملاحقة ومعاقبة كل من تثبت مسؤوليته وضلوعه في هذه الممارسات.
وأخيراً، تأمل الكرامة معالجة القضايا التي أثارتها في تقريرها بشكل بناء خلال جلسة المناقشة التي ستعقد بين لجنة مناهضة التعذيب وممثلي الدولة اللبنانية، ووضع حد للتعذيب وغيره من الانتهاكات الخطيرة المهينة لكرامة الإنسان.
لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني: media@alkarama.org
أو مباشرة على الرقم: 0041227341008