يحتفي العالم في الثلاثين من أغسطس/آب كل عام باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري في الوقت الذي لا تزال آلاف العائلات العربية بانتظار أحبائها الذين وقعوا ضحايا هذه الجريمة التي تعد إحدى أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، وقد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية إذا ما مورست بطريقة منهجية على نطاق واسع، وتصبح حينئذ جريمة لا تسقط بالتقادم.
على مدى سنوات قدمت الكرامة مئات الشكاوى الفردية أمام الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري و اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري تتعلق بضحايا من مختلف البلدان العربية، لا سيما البلدان التي شهدت نزاعات مسلحة مثل العراق وسوريا والجزائر وليبيا والسودان واليمن، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات.
ما هو الاختفاء القسري؟
تعّرف المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري جريمة الاختفاء القسري على أنها "[...] الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون".
تفشّت ممارسة الاختفاء القسري في البلدان العربية على مدى عقود، ولا تزال آلاف العائلات تجهل إلى اليوم مصير أقاربها، وليست القضايا العالقة أمام الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي إلا غيض من فيض.
كما لا يقتصر الغرض من ممارسة الاختفاء القسري على تكميم أفواه المعارضين السياسيين والصحفيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان، إنما يستخدم أيضاً كأداة لإرهاب مجتمعات بأكملها، وتفاقمت الظاهرة بشكل أكبر خلال النزاعات المسلحة التي تشهدها عدد من البلدان. وغالبًا ما تقترن هذه الممارسة مع انتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان، كالتعذيب بسبب تجريد الضحايا من حماية القانون وحرمانهم من سبل الانتصاف القانونية.
وتعتبر اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المعاناة النفسية التي تعيشها أسر الضحايا بسبب الاختفاء القسري شكلًا من أشكال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة.
العراق
يحتل العراق الصدارة في قائمة أكثر الدول ارتكابًا لجرائم الاختفاء القسري، حسب العديد من المنظمات الدولية مثل اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين، و اللجنة الدولية للصليب الأحمر، و اللجنة الأممية المعنية بحالات الاختفاء القسري، إذ يتراوح عدد المفقودين طوال العقود الخمسة الأخيرة حسب التقديرات بين 250 ألف ومليون شخص.
تتابع الكرامة منذ سنوات، بقلق بالغ ملف الاختفاء القسري في البلد وقدمت عشرات الشكاوى أمام فريق العمل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي ولجنة الاختفاء القسري المعنية بمراقبة مدى تنفيذ الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي صادق عليها العراق في نوفمبر/تشرين الثاني 2010.
وخلال الاستعراضات الأخيرة للعراق، أعربت كل من لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب و اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن قلقهما إزاء حالات الاختفاء القسري في البلاد بعد الاحتلال الأمريكي، ودعت السلطات العراقية إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لوضع حد لهذه الممارسة المنهجية.
كما أن لجنة الأمم المتحدة، المسؤولة عن مراقبة تنفيذ الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، تدعو بانتظام الدولة الطرف إلى التعاون في إطار الإجراء المعمول به.
وأبرزت الكرامة في تقاريرها الموازية أمام هذه الهيئات الأممية، عدم تعاون السلطات العراقية مع اللجنة، والتي لا تزال أمامها عدة مئات من الإجراءات العاجلة المتعلقة بالمفقودين معلقة حتى اليوم.
في الوقت ذاته، يظهر غيابُ التعاون حتى الآن افتقارًا للإرادة السياسية من جانب سلطات البلد لحل هذه المسألة، وهو ما دفع اللجنة المعنية بالاختفاء القسري بالأمم المتحدة إلى دعوة الدولة الطرف مرارًا للتعاون بحسن نية مع الإجراء المنصوص عليه في الاتفاقية.
سوريا
على مدى عقود من حكم عائلة الأسد في سوريا، ظل النظام الحاكم في البلاد واحدًا من أسوأ الأنظمة التي تستسهل سياسات الاختطاف والإخفاء القسري، وزادت وتيرة هذا النمط من الانتهاكات في أعقاب الثورة السورية، حيث مارس النظام كل صنوف التنكيل والقمع بحق شعبه ولا يزال.
في هذا السياق قدمت الكرامة العديد من الشكاوى الفردية أمام الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري، في حين تشير بعض التقديرات إلى أن حوالي 111 ألف شخص ما زالوا في عداد المفقودين والمخفيين قسرًا، ويعُتقد أن معظمهم في قبضة الحكومة السورية.
الجزائر
لا تزال عائلات الآلاف من ضحايا الاختفاء القسري في الجزائر تنتظر عودة أحبائها أو العدالة والكشف عن مصيرهم.
قدمت الكرامة أكثر من ألف قضية أمام الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري و اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، التي أصدرت قرارات تؤكد مسؤولية السلطات الجزائرية عن هذه الجرائم، مع العلم أن هناك آلاف الجزائريين الذين اختُطفوا بين 1992-1998 من قِبل الشرطة والجيش في الجزائر والذين لم تصل عائلاتهم أيُّ أخبار بشأنهم حتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من التوصيات العديدة التي قدمتها اللجنة بشأن حالات الاختفاء هذه، إلا أن السلطات ما زالت ترفض إلقاء الضوء على ملابسات هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة، مستغلة أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي يؤسس على نطاق واسع لإفلات مرتكبيها من العقاب ولتجريم كل من يطالب بحق أسر المفقودين في معرفة مصير أبنائهم.
وكانت الكرامة قد أوضحت في تقريرها عن حالة حقوق الإنسان في الجزائر في ضوء المراجعة الدورية لمجلس حقوق الإنسان في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بأن السلطات الجزائرية تظهر سوء نية بانتظام وتمتنع عن التعاون مع هيئات المعاهدات، والإجراءات الخاصة للأمم المتحدة في تنفيذ التوصيات النهائية والقرارات الفردية.
كما لوحظ هذا التقصير في التعاون سابقًا في تقرير امتثال الدول الأطراف في هيئات معاهدات حقوق الإنسان بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث كان تعاون الجزائر مع هيئات المعاهدات هو الأدنى بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
الإمارات
تعد ممارسة الاختفاء القسري سلوكًا مشتركًا وسائدًا لدى الحكومات الخليجية، بخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات. ففي 20 فبراير/شباط 2023، نشر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي ادعاءً عامًا بشأن نمط الاختفاء القسري في الإمارات العربية المتحدة. وذلك بناءً على شكاوى قدمتها منظمات غير حكومية، وفي سبتمبر/أيلول 2022، أصدر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي أيضًا ادعاءً عامًا آخر بشأن نمط الاختفاء القسري في الإمارات، يضم 12 سؤالا موجها إلى السلطات الإماراتية، لكنها لم تستجب حتى الآن. في الوقت، تواصل السلطات الإماراتية منع خبراء الأمم المتحدة من إجراء البحوث داخل الدولة أو زيارة السجون ومراكز الاحتجاز.
وفي وقت سابق، بتأريخ 12 يوليو/تموز 2022، شاركت الكرامة في جلسة إحاطة للمنظمات غير الحكومية عُقدت في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف تمهيدًا للمراجعة الأولية لدولة الإمارات العربية المتحدة من قِبل لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، خلال الدورة 74 المنعقدة في الفترة ما بين 13 و 14 يوليو/تموز 2022. وهو أول استعراض للدولة الطرف منذ تصديقها على الاتفاقية عام 2012، وتطرقت الكرامة من بين أمور أخرى إلى شيوع ممارسة الإخفاء القسري لدى جهاز أمن الدولة في البلاد واستدلت على حالة المواطن السوري أمجد محمد نور الدين الناصر.
في آخر تقرير للفريق المعني بحالات الاختفاء القسري المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته السابعة والخمسين خلال الفترة من 9 سبتمبر/أيلول حتى 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، عبّر الفريق العامل عن قلقه البالغ إزاء التقارير التي تفيد باستمرار اضطهاد الأشخاص المشاركين في مظاهرات 2011 المطالبة بإصلاحات ديمقراطية في الإمارات العربية المتحدة، ولا سيما إزاء التهم الجديدة الموجهة إلى 84 من أصل 133 شخصًا وجهت إليهم اتهامات عام 2011، وإزاء الادعاء بأن عددًا من المسجونين قد اختفوا قسرًا أثناء احتجازهم بعد انتهاء مدة عقوبتهم. وفي هذا الصدد، أبلغ الفريق العامل أيضًا عن حالة نقل دولي للسيد خلف عبد الرحمن عبد الله من الأردن، والذي قيل إنه كان أيضًا جزءًا من محاكمة "الإمارات 94".
وشدد الفريق العامل على أنه "ينبغي أن توضع فورًا معلومات دقيقة عن احتجاز الأشخاص ومكان أو أمكنة احتجازهم بما في ذلك حركة نقلهم من مكان إلى آخر، في متناول أفراد أسرهم أو محاميهم أو أي شخص آخر له مصلحة مشروعة في الإحاطة بهذه المعلومات، وأن عدم القيام بذلك يشكل اختفاء قسريًا".
السعودية
بخصوص المملكة العربية السعودية، يبدو الوضع أكثر قتامة بالنظر إلى الأعداد الهائلة لضحايا القمع والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري على خلفية ممارسة حق الرأي والتعبير.
ورغم البيانات الصادرة عن الهيئات الحقوقية بالأمم المتحدة لا يزال الإخفاء القسري بخاصة في المرحلة التي تعقب إلقاء القبض على الضحية سلوكًا ممنهجًا وشائعًا، بما في ذلك لدى جهاز أمن الدولة.
على سبيل المثال، في 15 مايو/أيار 2024 أقرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بموجب شكوى قدمتها الكرامة بأن الحبس الانفرادي المطول للباحث الديني والناقد السعودي سفر بن عبد الرحمن الحوالي دون محاكمة والتسهيلات اللازمة لإعاقته يشكل انتهاكات خطيرة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب أو سوء المعاملة.
وقالت اللجنة في بيانها إن عائلة السيد الحوالي لم تعرف مكان وجوده لأكثر من شهرين، إلى أن طلب فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري معلومات من السلطات التي ذكرت فيما بعد أنه يخضع للتحقيق بموجب قانون مكافحة الإرهاب وتمويله، وهو القانون الذي لا يتواءم مع التزامات البلد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ملف الاختفاء القسري كان حاضرًا بقوة أيضًا خلال جلسة الحوار التفاعلي في إطار الاستعراض الدوري الشامل لـلمملكة العربية السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان يوم 4 يوليو/تموز 2024، وذلك ضمن أعمال الدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة خلال الفترة من 18 يونيو/حزيران حتى 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
حيث أشارت مداخلة لوفد منظمة القسط لحقوق الإنسان المعنية بالسعودية إلى التوصيات المتعلقة بانضمام الدولة إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري وتطرقت لملف معتقلي الرأي والنشطاء المعتقلين بمن فيهم المحامي محمد القحطاني وغيره، وانتقدت تقاعس السعودية عن تنفيذ توصيات سابقة بخصوص ضمان حرية التعبير، كما انتقدت رفض السعودية القبول بالانضمام إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
كما تطرقت الكرامة في تقريرها الموازي إلى مجلس حقوق الإنسان خلال هذه الدورة للاستعراض الشامل إلى ملف الاختفاء القسري وقدمت شواهد بشأنه.
ليبيا
في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، قدمت الكرامة بشكل عاجل إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري، حالة السيد المهدي البرغثي، وزير الدفاع السابق في حكومة الوفاق الوطني ورفاقه، الذين اختفوا جميعا في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بعد اختطافهم من قبل عناصر من "كتيبة طارق بن زياد"، وهي ميليشيا يقودها نجل خليفة حفتر، صدام حفتر، في حي السلماني الشرقي في بنغازي (شرق ليبيا).
لاحقًا أفاد المدعي العام العسكري في بنغازي بوفاة البرغثي، وهو ما دفع الكرامة إلى تقديم نداء عاجل بشأنه بتأريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول 2023، إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء.
تبدو حالات الاختفاء القسري في ليبيا ظاهرة مقلقة ومنتشرة في جميع أنحاء البلاد، في حين تقول مصادر حقوقية إنها رصدت 251 حالة منذ بداية عام 2020 وحتى يوليو 2023.
السودان
الاختفاء القسري سلوك شائع في السودان في ظل النزاع المسلح القائم، إلى جانب انتهاكات أخرى مروعة.
على سبيل المثال، وجهت الكرامة مطلع يونيو/ حزيران 2023، نداءً عاجلاً إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري بشأن الدكتور محمد علي عبد الله الجزولي الذي اختطفته قوات الدعم السريع في السودان واقتادته إلى جهة مجهولة، قبل أن تجبره على الإدلاء باعترافات مصورة تحت الإكراه.
وفي كلمة ألقاها أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 12 أيلول/ سبتمبر 2023، أشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى أنّه تم الإبلاغ عن اختفاء ما لا يقل عن 500 شخص في الخرطوم وحدها منذ اندلاع الاشتباكات.
اليمن
بالنسبة لليمن الذي يعاني جراء النزاع المسلح منذ نحو عشر سنوات، فإن جرائم الإخفاء القسري تبدو سلوكًا شائعا حتى قبل النزاع، وتشترك العديد من الأطراف في ممارسة هذا النمط من الانتهاكات، حيث وثقت الكرامة العديد من الحالات وقدمت بشأنها شكاوى أمام الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري.
حاليا لا توجد إحصائية نهائية لعدد المخفيين قسرًا في سجون أطراف الصراع الدائر في اليمن منذ عشر سنوات، حيث تكتنف ذلك العديد من الصعوبات، كبعد المناطق اليمنية، وعدم التقدم ببلاغات، وعدم وجود جهات رسمية تتولى المتابعة والتوثيق.
حاولت منظمات حقوقية يمنية تقديم صورة تقريبية لعدد المخفيين قسرًا الذين تلقت بلاغات عنهم، حيث أحصت 270 حالة إخفاء قسري.
ازدواجية المعايير
يقول المحامي رشيد مصلي مدير الكرامة: "بعض الدول لم تصادق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري للإبقاء على يدها طليقة في ارتكاب هذا النمط المروّع من الانتهاكات مثل الجزائر التي قدمت الكرامة بشأنها أكثر من ألف حالة، وهو ما دعا الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري إلى تقديم طلب لزيارة البلد منذ نحو عشرين سنة دون جدوى".
وتساءل المحامي مصلي: "ما مدى فاعلية هذه الآلية الأممية في القيام بالزيارة ولماذا التزمت الصمت بعدما فشلت في تنفيذ الزيارة للبلد، بينما بمقدور الفريق اتخاذ موقف علني لإدانة هذه الممارسات كأقل إجراء ممكن لترضية الضحايا وجبر خاطرهم؟".
وتابع المحامي مصلي: "تقدّر الكرامة محدودية إمكانيات الآليات الأممية المعنية بحقوق الإنسان وتدرك بحكم خبرتها وتجاربها في العمل على هذه الآليات حجم التحديات التي تواجهها، وتدرك كذلك مدى ارتباط فاعلية الإجراءات الأممية المعنية بحقوق الإنسان بالإرادة الدولية التي تتوارى عن الواقع عندما تقتضي المصالح ذلك، ويحضر بالمقابل مشهد الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير، إنْ على صعيد السياسات الحكومية أو الإعلام الغربي أو مجموعات حقوق الإنسان الدولية".
لكنه يستدرك: "إلا أن هذا لا يعني الاستسلام لهذا الفشل وعدم الذهاب نحو إصلاحات جادة وخلق ديناميكيات ذات تأثير فعلي على صعيد حقوق الإنسان عالميًا".
ويقول مصلي: "حتى في ما يتعلق بالعراق، على سبيل المثال، تستذكر الكرامة مواقف الحكومات الغربية التي تنشط ضد انتهاكات الاختفاء القسري في عهد الرئيس السابق صدام حسين بينما حاليًا تلوذ بالصمت رغم تضاعف أرقام الضحايا، فضلًا عن استمرار تجاهل الحكومات العراقية المتعاقبة لمطالب اللجنة الدولية المعنية بمكافحة الإخفاء القسري".
وفي هذه المناسبة، يستحضر المحامي رشيد مصلي "الحراك الدولي الواسع ضد الاختفاء القسري في أمريكا اللاتينية بخاصة تشيلي والأرجنتين إبان السبعينيات من القرن الماضي، لاسيما الضغوط التي مارستها الأحزاب اليسارية في أوروبا، بينما اليوم يوجد مئات الآلاف من الأقليات المسلمة في العالم أو الشعوب العربية التي ترزح تحت المعاناة والانتهاكات جراء الإخفاء القسري دون أيّ حراك حقوقي أو موقف دولي إزاء ذلك".
أخيرًا، تعبر الكرامة مجددًا بكل أسف عن خشيتها من فقدان مصداقية الإجراءات الأممية المعنية بقضايا حقوق الإنسان عامة وملف المخفيين قسرًا على وجه التحديد، وهو الأمر الذي تعالت بشأنه الأصوات المنددة بمواقف الأمم المتحدة إزاء قضايا حقوقية مهمة خلال السنوات الأخيرة الماضية، وصولًا إلى حالة الفشل الذريع في كبح جماح جريمة الإبادة الجماعية المشهودة التي ترتكبها إسرائيل على مرأى العالم ضد الشعب الفلسطيني في غزة.