أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 47/196، الذي اعتمدته بتاريخ 22 ديسمبر/ كانون الأول 1992، السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، يومًا دوليًا للقضاء على الفقر. ويهدف هذا اليوم إلى لفت الانتباه إلى ضرورة احترام الكرامة الإنسانية المتأصلة في البشر وتحمّل المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمعات والأفراد الذين يعيشون في براثن الفقر، عوضًا عن السعي الحثيث لحصد المكاسب والأرباح على حساب الإنسان.
ونظرًا لكون العديد من حقوق الإنسان بعيدة عن متناول الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، فإنه في 1998، أنشأت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولاية معنية بهذا الموضوع متمثلة في المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان، بغرض تسليط الضوء بشكل أكبر على محنة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، والتركيز على الانعكاسات التي تلحق بحقوق الإنسان بفعل الإهمال المنهجي الذي يتعرضون له.
وفي هذا السياق أيضًا، كانت الأمم المتحدة أطلقت موضوعًا للنقاش بهذه المناسبة عام 2023 حول شهادات مباشرة تُظهر أن من يعيشون في براثن الفقر المدقع غالبًا ما يعملون لساعات طويلة ومرهقة في ظروف خطيرة وغير منظمة، لكنهم مع ذلك عاجزون عن كسب ما يكفي لإعالة أنفسهم وأسرهم بشكل مناسب.
ترى الكرامة أن اتساع رقعة الفقر ليس مجرد مسألة اقتصادية فحسب، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد تشمل نقص مستوى الدخل وضعف المقدرة على العيش بكرامة وغياب ظروف عمل آمنة وعادلة، ناهيك عن الفساد واستئثار بعض الطبقات بالثروة وحرمان قطاعات واسعة منها كما هو الحال في العديد من أرجاء العالم العربي.
وتعبر الكرامة عن مخاوفها إزاء التقديرات التي تقول إن نحو 7% من سكان العالم – أي حوالي 575 مليون شخص - سيجدون أنفسهم محاصرين في الفقر المدقع بحلول عام 2030.
وتذكر الكرامة بمقاصد الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية التي تحث على ضرورة حصول الجميع على العمل اللائق والحماية الاجتماعية بوصفهما وسيلتين من وسائل دعم الكرامة الإنسانية لكل الناس، والتأكيد على أن العمل اللائق يجب أن يحسن من أحوال الناس، ويتيح أجوراً عادلة وظروف عمل آمنة، كما يقر كذلك بالقيمة المتأصلة والإنسانية لكافة العمال.
وقد قدم الإسلام أرقى صور العدالة الاجتماعية ومجابهة الفقر والقضاء عليه من خلال الحث على أمور عدة: السعي للرزق وتقدير العمل ودفع أجرة العامل دون تأخير وتحريم القسوة عليه، والتكافل الاجتماعي والتعاون، والإنفاق بنية الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين والإحساس بمعاناتهم وإطعام المحتاجين وشرعت لذلك الأوقاف والمبرات وكلها لا تلتفت إليها الرأسمالية المتوحشة التي تحكم قبضتها على العالم اليوم.
إنه يتوجب على القادة السياسيين وصانعي السياسات والمؤسسات الرسمية والشركات التجارية والمنظمات غير الربحية اعتماد الكرامة الإنسانية بوصلة إرشادية في كافة عمليات صنع القرار، لضمان النهوض بحقوق الإنسان الأساسية والعدالة الاجتماعية.