الإمارات: محاكمة غير عادلة، ومخاوف الكرامة على سلامة المتهمين

.

عقدت الجلسة الأولى من محاكمة مجموعة الإصلاحيين 94 في 4 من شهر مارس في غياب أي مراقب دولي. ودقت تقارير من داخل قاعة المحاكمة ناقوس الخطر منذرة بعدم احترام معايير المحاكمات العادلة. وفي هذا الجو المشحون، تطالب كل المنظمات الدولية، السلطات الإماراتية بفتح تحقيقات بشأن تعرض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة والسماح لمراقبين دوليين بمتابعة أطوار المحاكمة.


وعقدت الجلسة الثانية يوم الاثنين 11 مارس بالمحكمة الاتحادية العليا بأبو ظبي، ومرة أخرى منع المراقبون الدوليون من الحضور رغم اتباعهم للإجراءات المعقدة التي ابتدعتها السلطات لثنيهم عن الحضور، وهذا دليل على أنها تريد منع مراقبين أجانب نقل شهاداتهم عن هذه القضية الحساسة، بما في ذلك ادعاءات المعتقلين تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أو أية معلومات أخرى قد تطفو خلال مجريات المحاكمة. وتم تحديد 18 و19 من مارس الجاري للاستماع لشهود.
ورفعت الكرامة نداءا عاجلا إلى الآليات الأممية الخاصة تطالبهم فيه بالتدخل العاجل في هذه القضية، وخاصة بشأن المعاملة القاسية التي تعرض لها أحمد السويدي الذي لا يزال السجين الوحيد المحبوس في السر، والذي يقدمه الادعاء كالشاهد الرئيسي.
افتتاح الجلسة ونفي المتهمين لجميع التهم "الملفقة"
خلال الجلسة الأولى في 4 مارس 2013، حضر لقاعة المحكمة الاتحادية العليا، التي تسع ل600 مقعدا، 84 متهما من بينهم 13 امرأة، يساندهم حوالي 150 من أقاربهم إضافة إلى 40 فردا من قوات الأمن. وترأس المحكمة القاضي فلاح الهاجري وقاضيين أجنبيين وهما عبد القادر و عبد الرسول الطنطاوي. ونفى كل المتهمين التهم الموجهة إليهم التي يبدو أنها بنيت على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب. وفاجأ السيد أحمد غيث السويدي احد المعتقلين اللذين تعرضا أكثر من غيرهم للتعذيب بتصريح قال فيه "أعلم أن ما سأقوله قد يكلفني حياتي، لكني أنكر التهم وأطلب حمايتي وحماية أهلي"
وأشارت مصادر الكرامة أن المتهمين عانوا من التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك السجن الانفرادي والمنع من النوم والضرب بطرق مختلفة والسعق بالهراوات الكهربائية، ونزع الأظافر والتعصيب خلال الاتصالات الهاتفية أو حتى أثناء ذهابهم إلى الحمام، كما تم تعريضهم للبرودة القارسة في زنازينهم. واشتكى ثمانية متهمين على الأقل من التعذيب لكن يبدو أن المحكمة لم تأخذ بادعاءاتهم أو طلبت بفتح تحقيق.
وصرح محمد الصديق، الذي سحبت منه جنسيته العام الماضي بسبب نشاطه السياسي للمحكمة "قيل لي سأقابل مسؤولا كبيرا، والواقع أنني أخذت إلى مكان ما وتعرضت للتعذيب على يد رجل قوي لقبته بالمصارع. ضربني في كل أنحاء جسمي وقال لي أنني لا أستحق أن أعيش في هذه البلاد، وأنه في المرة القادمة سيضع حدائه في فمي". أما حسن الجابري فقد منع من النوم واستجوب لمدة ثلاثة أيام على التوالي من قبل عدة أشخاص.
وتم إخفاء عبد الله الهاجري "صهر محمد الركن" لأكثر من خمسة أشهر قبل أن يسمحوا له بالاتصال بأقاربه. وأشار هو أيضا أن كان عرضة للضرب العنيف ونتف لحيته وشعر صدره. وقال أحد أقارب المعتقلين "عندما كانوا يشتكون، يناولونهم حبوبا لا يعرفون مفعولها أو مكوناتها، كانوا يريدونهم أن يفقدوا وعيهم وإدراكهم.
وذكر محمد الركن خلال الجلسة أن المدعي العام كان تلميذه، وبدأ بالحديث عن نفسه وزملائه المعتقلين، فأوقفه القاضي قائلا: "لم يوكلوك" فنطق زملاؤه جماعة: "فوضناه". فطالب بتقديم العلاج للعديد من المعتقلين الذين يعانون من مشاكل صحية، وخاصة للذين تضرروا نفسيا من الاعتقال وسوء المعاملة كأحمد السويدي، مضيفا أن "هذا ليس الرجل الذي أعرفه" وطلب بالإفراج عن الجميع بكفالة، كم هو الحال بالنسبة للنساء المتهمات.
أخو أحد المتهمين صرح للكرامة ساخرا: "المحاكمة تذكرني بمسرحية شاهد ماشافش حاجة التي كانت تعرض في ثمانينات القرن الماضي، فالقاضي يبدو على جهل بتفاصيل القضية ولم يكن قادرا على قراءة الأسماء كما يجب وكان يسأل المدعي: "لمذا هناك امرأتين بنفس الإسم؟".
وطلب المعتقل إبراهيم المرزوقي، الذي يعاني من ضعف البصر، من القاضي إلى أي جهة أتوجه للحديث إليكم. وعلق دفاعه "كيف لمتهمين نصفهم لا يستطيع الرؤية بدون نظارات أن يخططوا لقلب نظام الحكم؟".
وبدا رئيس الجلسة مستغربا كون بعض المتهمين لم يتم الاستماع إليهم من طرف الادعاء: "لماذا هم هنا؟" وعلق أحد الحاضرين في الجلسة على الحدث: "تم إحضارهم إلى الجلسة بعد اعتقال احترازي ل48 ساعة دون عرضهم على المدعي العام، إذا تواجدهم في المحكمة غير قانوني".
الجلسة الثانية: هل المحاكمة بسبب النشاط الحقوقي أم للمساس بأمن الدولة
وتميزت الجلسة الثانية التي عقدت يوم الاثنين 11 مارس أيضا بغياب المراقبين الدوليين وبمنع مصالح الأمن لعدد من أقارب المعتقلين من ولوج القاعة.
وحسب بيان لوكالة الأنباء الإماراتية "وام" كان مجموع الحاضرين بالقاعة 180، تشمل 85 متهماً من بينهم 12 امرأة و 6 من ممثلي هيئات ومؤسسات المجتمع المدني إضافة إلى 21 صحفياً من المؤسسات الإعلامية المختلفة. علما بأن المجتمع المدني الذي يتحدث عنه البيان تابع للحكومة، أما الصحافة الحاضرة فشاركت في حملة تشهيرية ضد المعتقلين، ولم يسمح للصحافة الدولية بالحضور
وعرض في هذه الجلسة متهمون وصفوا بأنهم كانوا في حالة فرار، ووجهت إليهم نفس التهم التي نفوها كالذين سبقوهم. وأوضحوا استحالة أنهم كانوا في حالة فرار لأنهم كانوا يتوجهون بشكل عادي إلى أعمالهم إلى أن ألقي عليهم القبض. وهو ما بينه المتهم خالد فاضل مصرحا أن المصلحة التي يعمل بها تستعمل نظام البصمات في ولوج مقر العمل وهذا دليل على افتراءات الادعاء. أما إسماعيل حسني فقال: "كيف يمكنني أن أكون هاربا وقد كرمتني وزارة التربية الأسبوع الماضي؟".
وأكدت حالة العديد من المتهمين السيئة ما صرحوا به لأقاربهم بين الجلستين. ومن المحتمل حسب بعض الشهود إن حالة عيسى الساري الذي كان يهدي ويتكلم مع نفسه و لا يستطيع التركيز على شئ، تعود إلى الأدوية تعطى لهم. أما أحمد غيث السويدي فلم تتغير حالته عن الجلسة الأولى وكان ساهما وصامتا ورأسه بين يديه يحركه مرة تلو الأخرى. ونقل مع مجموعة تضم كل من أحمد الزعبي وأحمد النعيمي وسالم سحوح وسالم الطونجي لجلسة خاصة مغلقة دامت قرابة ساعتين. حاول المدعي العام خلالها الضغط على السويدي للتراجع عن نفيه وهو ما رفضه.
ووقف الدكتور محمد الركن أحد أبرز المحامين الإماراتيين والمعتقل منذ يوليو 2012، وقال "من يظن أن هذه محاكمة أمن دولة فهو يضلل العدالة،هذه قضية حقوق إنسان من الدرجة الأولى".
أيام قليلة بعد الجلسة الأولى، تم تحويل المتهمين إلى سجون نظامية بعد أزيد من سنة من الاعتقال السري بالنسبة لعدد منهم. أغلبهم نقلوا إلى سجن الرزين، في حين تم إيداع الدكتور محمد الركن في سجن الوثبة مع خمسة آخرين. بينما لا زال أحمد السويدي رهن الاعتقال الانفرادي السري.
وتعبر الكرامة عن قلقها الشديد بشأن وضعية السيد أحمد الحالية خاصة وأن الادعاء يحاول الضغط عليه لتأكيد التهم الموجهة إليه وإلى زملائه والتي نفاها أمام المحكمة. وتطالب الكرامة بتقديم الرعاية الطبية والنفسية الضرورية له وتحويله إلى سجن قانوني حيث يعتقل زملاؤه، واحترام حقه في الزيارة. والتحقيق في ادعاءات تعرضه وزملائه للتعذيب كما ينص على ذلك قانون الإمارات والقانون الدولي ومعاقبة المسؤولين عن هذه الممارسات واستبعاد كل الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب.
جاء في المادة 26 من الدستور الإماراتي : الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين. ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه إلا وفق أحكام القانون. ولا يعرض أي انسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة. وبتوقيعها على اتفاقية مناهضة التعذيب في يوليو الماضي، تلتزم الإمارات بالعمل على القضاء عن هذه الممارسات. لكن ما يجري في هذه القضية يظهر جليا أن لا شئ تغير. لأن أهم ما جاء في هذه الاتفاقية هو ضرورة استبعاد كل الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب أو المعاملة المهينة واللاإنسانية.
وتجدد الكرامة نداءها للسلطات الإماراتية باحترام حق المتهمين في الاستشارة القانونية والزيارة العائلية والعلاج اللازم، وأيضا احترام جميع قوانينها الداخلية، والمواصفات الدولية المحاكمات العادلة في هذه القضية والتعبير عن ذلك بفتح الباب للمراقبين الدوليين لحضور هذه المحاكمة.

لمزيد من المعلومات

الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني: media@alkarama.org

أو مباشرة على الرقم: 0041227341008