تونس: إطلاق حرية البحيري والبلدي اللذين خاطبت الكرامة بشأنهما الأمم المتحدة

البحيري والبلدي

أطلقت السلطات التونسية، مساء الاثنين 7 مارس الجاري، سراح كل من: القيادي بحركة "النهضة"، والبرلماني ووزير العدل السابق، نور الدين البحيري، ومستشار وزارة الداخلية السابق فتحي البلدي، بعد 67 يوما من الاحتجاز، فيما كانت الكرامة راسلت بشأنهما خبراء الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان.
وكان البحيري قضى معظم مدة الاحتجاز التعسفي في مستشفى بنزرت من دون توجيه أي تهمة له، وجاء إطلاق سراحه إثر تدهور حالته الصحية.
وأعلن قرار السلطات التونسية في ساعة متأخرة من مساء الإثنين، وقضى بإنهاء مفعول الإقامة الجبرية عن البحيري والبلدي، حيث كانا موقوفينِ منذ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
ووفقا لبلاغ وزارة الداخلية التونسية "تعلم وزارة الداخلية أنه وبعد تنفيذ قرارين في الإقامة الجبرية يوم الجمعة 31 ديسمبر 2021 ضد شخصين توفرت معلومات بشأنهما حول شبهة تورطهما في تهديد خطير للأمن العام، وتبعا لوجود أبحاث عدلية في الموضوع أُحيلت للقضاء، وتبعا لا سيما لإرساء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بتاريخ اليوم 07 مارس 2022، فقد تقرّر في نفس هذا التاريخ إنهاء مفعول قراري الإقامة الجبرية المتخذة ضد الشخصين المعنيين حتى يتولى القضاء إتمام ما يتعين في شأنهما من أبحاث وإجراءات عدلية"، حسب البيان.
في 25 يوليو/ تموز 2021، أقال الرئيس التونسي، قيس سعيد، رئيس الحكومة، وعلق جميع أنشطة البرلمان ورفع الحصانة عن البرلمانيين على أساس تفسير خاطئ للمادة 80 من الدستور. فضلاً عن ذلك، وفي انتهاك للدستور، أعلن أنه سيتولى جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بمساعدة رئيس الحكومة والوزراء الذين سيعينهم شخصيًا.
وأعقبت ذلك سلسلة من الانتهاكات للحريات الفردية والجماعية، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وفرض الإقامات الجبرية غير القانونية لنواب وكبار المسؤولين، من قضاة وسياسيين، كما زاد عدد حالات الإقالة بقرارات رئاسية، واستمر منذ 25 يوليو 2021، مما أثر على عدد من كبار المسؤولين الإداريين والقضائيين، بعضهم وُضع قيد الإقامة الجبرية بقرار إداري بسيط.


نشاط الكرامة :
في غضون ذلك، كانت الكرامة وجمعية ضحايا التعذيب في تونس (AVTT) وصوت الحرية (Free Voice) ومنظمة تحالف الحرية والكرامة (AFD International)، قدمت، في 6 يناير/ كانون الثاني 2022،  شكوى إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب بشأن قضية السيد نور الدين البحيري المحامي ووزير العدل الأسبق، والسيد فتحي البلدي، مستشار وزارة الداخلية السابق، ضحايا المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة أثناء اعتقالهما في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021 من قبل عناصر الأجهزة الأمنية.
وفي وقت لاحق، قامت الكرامة وجمعية ضحايا التعذيب في تونس (AVTT) وصوت الحرية (Free Voice) ومنظمة تحالف الحرية والكرامة (AFD International) بمخاطبة فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي (WGAD)، بشأن وضع وزير العدل والنائب السابق السيد نور الدين البحيري، والمستشار السابق لوزارة الداخلية السيد فتحي البلدي. وُضع هذان المواطنان بشكل تعسفي رهن الإقامة الجبرية منذ اعتقالهما العنيف في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021 من قبل عناصر الأجهزة الأمنية.


واقع قاتم :
ألقيَ القبض على كل من السيد البحيري والسيد بلدي بعنف من قبل أفراد الأجهزة الأمنية في ثياب مدنية واقتيدا إلى وجهات مجهولة، في وقت تشهد تونس حالة من الاحتقان السياسي في أعقاب الإجراءات القمعية التي يتخذها الرئيس قيس سعيد وتوصف بأنها انقلاب على الشرعية الدستورية والمؤسسات الديمقراطية في البلاد.  
وكانت وزارة الداخلية أعلنت على موقعها الإلكتروني في ليلة 31 كانون الأول (ديسمبر) عن "إقامة جبرية في حق شخصين موقوفين". وقد تم الإعلان عن القرار بشكل غير رسمي في مخالفة للمتطلبات الإجرائية المنصوص عليها في القانونين المحلي والدولي. القرار فقط يشير إلى "إجراء وقائي تمليه ضرورة الحفاظ على الأمن القومي".
علاوة على ذلك، تنص المادة 49 من الدستور التونسي على أنه لا يمكن تقييد الحريات الأساسية إلا بموجب القانون، وبشرط أن تكون الإجراءات تحت إشراف السلطات القضائية.
ووفقًا للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، يجب أن تمتثل جميع التدابير التقييدية أيضًا لمبدأ التناسب و "أن تكون مناسبة لأداء وظائفها الوقائية، ويجب أن تكون أقل الوسائل التي تؤدي إلى تعطيل الحقوق وأن تكون هذه الوسائل بالقدر الذي يمكن أن تحقق النتيجة المرجوة، ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحة الواجبة حمايتها".
وبالتالي، إذا كان الهدف من قرار "القائم بمهمة وزارة الداخلية" هو ضمان احترام النظام العام والأمن حقًا، فإنه لم يوضح إلى أي مدى يسمح حرمان السيدين البحيري وبلدي من الحرية لتحقيق هذا الهدف.  لقد أثار قرار احتجازهما حالة من الاستنكار، لا سيما أن السلطات لم تقدم أي دليل ملموس على وجود أسباب جدية للاعتقاد بأن أفعالهما تشكل تهديدا حقيقيا للأمن والنظام العام.
وعليه، فإنه في ظل عدم وجود دافع لهذه الإجراءات التعسفية للحرمان من الحرية، فقد بدا واضحاً أن هذه الاعتقالات تعكس في الواقع رغبة الرئيس، قيس سعيد، الذي يركز الآن جميع السلطات بيده، في انتهاك للدستور، وفي إسكات المعارضين السياسيين، لا سيما أن السيد البحيري كان قد استنكر حل البرلمان ووصف هذا العمل بأنه غير دستوري.