مصر: استمرار الإفلات من العقاب شجّع على مواصلة القتل خارج نطاق القانون

فوجئ المحتجون السلميون مساء المظاهرة المليونية في ميدان التحرير بالقاهرة، الجمعة 18 نوفمبر/ تشرين ثاني، بينهم جرحى في الأحداث السابقة، بهجوم عنيف لقوات الأمن المركزي، في محاولة لفض الاعتصام بالقوة، قبل أن تمتد أعمال القمع إلى مدن مصرية أخرى، لتوقع نحو 33 قتيلاً ومئات الجرحى، بحسب معلومات أولية.

تظاهرات "الجمعة المليونية"، جاءت استجابةً لدعوات أطلقتها بعض القوى السياسية للاحتشاد في وقفة سلمية بميدان التحرير، من أجل المطالبة بإسقاط وثيقة المبادئ الدستورية، التي عرفت إعلاميا بـ"وثيقة السلمي"، وحثّ المجلس العسكري على تسليم الحكم لسلطة مدنية في الموعد المحدد في الإعلان الدستوري، غير أن قوات الأمن المركزي فاجأت الشباب المعتصمين، بينهم مصابون في أحداث الثورة المصرية، بهجوم عنيف استخدمت فيه القوة المفرطة، لتفريقهم.

القمع الأمني، الذي لجأت إليه قوات الأمن المصرية في ميدان التحرير أدى إلى نتائج عكسية، حيث توافدت أعداد كبيرة من الناشطين والمحتجين إلى مكان الاعتصام، كما خرجت مظاهرات عديدة في محافظات مصرية مختلفة، لمساندة المعتصمين في التحرير، وبدلا من تراجع قوات الأمن ازدادت شراسة في التعامل مع المتظاهرين، وأطلقت الرصاص الحي والمطاطي على المحتجين بشكل مباشر ومتعمد، ما أدى إلى وقوع إصابات عديدة في صفوف المتظاهرين، تركزت في مناطق الوجه والعينين.

لم تنجح قوات الأمن المركزي في فض اعتصام التحرير بالقوة، فانضمت إليها الشرطة العسكرية وبعض فرق الجيش، وقامت جميعها بالهجوم على المحتجين، مستخدمة قنابل الغاز والرصاص الحي والمطاطي، ما أدى لسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين، ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات انسحبت الشرطة العسكرية وظل جهاز الأمن المركزي في اشتباكات دامية مع المتظاهرين في شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير، أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 33 متظاهراً وإصابة المئات بجروح .

إن الكرامة لحقوق الإنسان إذ تستنكر هذه الأعمال القمع والقتل الخارجة عن القانون والأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فإنها تنبه إلى أن إفلات مرتكبي الانتهاكات بحق المتظاهرين السلميين في ثورة 25 يناير من العقاب، بل والسماح لهم بممارسة أعمالهم داخل وزارة الداخلية جعل روح الانتقام الأمني مهيمنة على أدائهم في التعامل مع المواطنين، وهو ما بدا جلياً في هذه الاعتداءات الشرسة ضد المتظاهرين السلميين.

وتؤكد الكرامة أن مواجهة الاحتجاجات في ميدان التحرير بالقاهرة منذ يوم السبت 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 كشفت زيف الوعود التي أعلنت من جانب وزارة الداخلية بشأن التغييرات المفترضة تجاه التحركات السلمية والحقوق الإنسانية العالمية، خاصة حق التعبير عن الرأي وحق التجمع السلمي بما يكشف صراحة أن المجلس العسكري والحكومة المصرية يمارسان عملية تضليل للرأي العام المحلي والدولي، بالإعلان في الظاهر حرصهما على هذه الحقوق، بينما اتضح خلال الأحداث الأخيرة خلاف ذلك.

وتشير الكرامة أن ما حصل من إطلاق النار من طرف الشرطة العسكرية وقوات الأمن المركزي نتج عنه سقوط العديد من القتلى يعتبر جريمة ضد الإنسانية وأنه بات من الأهمية الآن الإسراع في تقديم قيادات وزارة الداخلية، وعلى رأسها وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي، وكذا العناصر المرتبطة بالشرطة العسكرية الخاضعة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى المحاكمة، تحقيقاً للعدالة ووضع حدٍ لسياسة الإفلات من العقاب.

وتلفت المنظمة إلى أن الاعتداءات التي شهدتها مدن القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية وأسيوط وغيرها ضد المعتصمين خلال الأيام الثلاثة الماضية، تشكل جرائم جنائية لن تسقط بالتقادم وتوجب تقديم مرتكبيها والمحرضين عليها إلى المحاكم الجنائية.

وستتوجه الكرامة إلى الهيئات الأممية للتحقيق في الانتهاكات ذات الطابع الجنائي الدولي التي كان ضحيتها المتظاهرون السلميون في مصر جراء ممارسات الأجهزة الأمنية والمجلس العسكري واستمرارها في استخدام العنف والقوة المفرطة ضد المتظاهرين العزل.

وتشدد منظمتنا على أنه لم يعد مقبولاً من القائمين على المرحلة الانتقالية في مصر التباطؤ في محاكمة كافة المتورطين في جرائم قتل المتظاهرين السلميين، وضرورة الإعلان عن جدول زمني لهذا الأمر، يتم في ضوء ذلك حشد كل المسارات القانونية لتقليل مساحات الإفلات من العقاب التي تشهدها مصر عقب الثورة.

وتنبه الكرامة إلى أن صورة السلطات المصرية الانتقالية أمام العالم باتت على المحكّ، في ظل الاستمرار باستخدام نفس سياسات الدولة البوليسية التي سقطت في فبراير الماضي، بدءاً من محاولات محاصرة وتشويه قوى الثورة المصرية من خلال التحريض ضد المتظاهرين في أحداث العباسية ثم محاولة تشويه منظمات المجتمع المدني واتهامها بالعمالة للخارج، مرورا بأحداث ماسبيرو واعتقال الناشطين ومحاكمتهم عسكرياً، كان آخرها حبس الناشط علاء سيف، وانتهاءً بأحداث الأيام الماضية التي أكدت استمرار ثقافة القمع الأمني لدى القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد.

وتشدد الكرامة على أن أي خطوات تهدف إلى حل سياسي لن تكون كافية ما لم تصحبها إجراءات فورية لمحاسبة المتورطين في جرائم الانتهاكات ضد حقوق الإنسان وتحقيق العدالة للضحايا، وإطلاق عملية إصلاح شاملة لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها على أسس قانونية ومهنية، وفتح تحقيقات قضائية مستقلة في كافة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها عناصر الشرطة المدنية والعسكرية منذ فبراير الماضي.
 
لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني media@alkarama.org
أو مباشرة على الرقم 0041227341007