يحتفي العالم في مثل هذا التاريخ 5 سبتمبر/ أيلول من كل عام باليوم الدولي للعمل الخيري الذي تمّ إقراره من طرف الجمعية العامة الأمم المتحدة في قرارها 67/105 المؤرخ بـ 17 ديسمبر/كانون الأول 2012.
وعمل الخير قيمة متأصلة في النفس البشرية منذ الأزل، تحث عليه جميع الأديان والحضارات. وخلافا لما يظن البعض، يتجاوز عمل الخير العمل الإغاثي ليشمل مجالات عديدة منها نصرة المظلوم والدفاع عن الكرامة البشرية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح ذات البين، وحماية كافة المخلوقات بما فيها البيئة. وبذلك يساهم عمل الخير في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، ويمثل مقاربة شاملة للأمن البشري.
كما أن عمل الخير عمل عريق في العالم العربي والإسلامي، استمر لقرون طويلة بسبب توفر موارد الزكاة والصدقات، ومؤسسة الأوقاف التي كانت أول ما حرص المستعمر الغربي على تدميره في الدول التي تعرضت للاحتلال.
أما اليوم، ففي حين تزدهر المنظمات الخيرية في الغرب في جو من الحرية، بما في ذلك المنظمات ذات المرجعية الدينية، حيث تلقت المنظمات الخيرية في عام 2023، في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ما يقارب 560 مليار دولار، تقوم حكومات الدول العربية باحتكار مجال العمل الخيري والتصدي للمبادرات الفردية والجماعية في هذا المجال، إذ تعتبر هذه الأنظمة التي يفتقد معظمها إلى الشرعية أي مبادرة خيرية تحديًا لها ومحاولةً لإضفاء الشرعية على جهات مستقلة عنها، وتنافسًا في خدمة المجتمع يهدد وجودها.
وما زاد الطين بلة، تداعيات الحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حيث فُرضت قيود مشددة على المنظمات الخيرية في العالم العربي من طرف الوكالات الحكومية الأمريكية وبعض الحكومات العربية، فجُمدت أرصدتها وأصولها وحُلت هياكلها واضطُهد أعضاؤها وقُمعوا قضائيا وشُهِّر بهم إعلاميا.
وفي هذا السياق، تستذكر الكرامة نشاطها في ما يتعلق بالنضال ضد الممارسات القمعية والاعتقالات التعسفية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 عندما اقتيد العديد من نشطاء العمل الخيري والإغاثي العرب في باكستان وغيرها إلى معتقل غوانتانامو الأمريكي سيء الصيت.
وفي منطقة الخليج، التي كانت تعرف بكثرة المبرات وكثافة المشاريع الخيرية، اعتمدت معظم الحكومات سياسات تحصر العمل الخيري على عدد قليل من المنظمات التابعة للحكومة أو تحت تحكمها شبه الكامل. فكانت عواقب هذه السياسة وخيمة على هذا المجال الحيوي حيث قوضت القيام بواجب شرعي وإنساني، وألقت بشرائح واسعة في العديد من الدول العربية في براثن الهشاشة التي تعجز حكومات هذه الدول على القضاء عليها.
من المؤكد أنه لا يمكن للمجتمعات العربية والإسلامية أن تحقق التنمية المستدامة والرفاهية الحقيقة إلا بتفعيل العمل الخيري الفردي والجماعي المستقل عن تحكم الأنظمة السياسية، ولا يتم ذلك إلا في جو من الحرية، بعيدا على قيود الحكم السلطوي.