السعودية :ماذا يجري بسجن الحائر؟

توصلت الكرامة بالعديد من المكالمات الهاتفية من عائلات المعتقلين بسجن الحائر بالرياض، للتبليغ عن التعسف الذي يواجهونه من طرف السلطات، بعدما بلغتهم أخبار عن الهجوم العنيف يوم الأحد 12 أغسطس 2012 الذي شنته قوات التدخل لفك اعتصام السجناء. واندلعت احتجاجات السجناء منذ أزيد من شهر بعدما يئسوا من إيجاد حل لوضعيتهم، حيث يقبع العديد منهم في السجن منذ سنوات دون أية إجراءات قانونية وآخرون انتهت محكوميتهم منذ سنوات ولم يفرج عنهم. ويعج السجن بالعديد من المعتقلين دخلوه منذ سنوات تجاوزت العشر بالنسبة للعديد منهم، اختطفوا من الشارع العام أو من بيوتهم أومن مقار عملهم أو بعد استجابتهم لاستدعاء من السلطات الأمنية ليجدوا أنفسهم في غياهب الحائر دون أية إجراءات قانونية. وهم يمثلون كل أطياف المجتمع السعودي، فمنهم العلماء الأجلاء والأطباء والمحامون والأساتذة والطلاب الواعدون وكلهم يكنون الحب لوطنهم ويحضون بكل الاحترام في المجتمع السعودي. وما اعتقلوا إلا لأنهم نادوا بالإصلاحات وإطلاق الحريات بطرق سلمية، بتهمة الإرهاب أو المساس بأمن الدولة كما تزعم السلطات أو زرع الفتنة.

وبعد أن يئسوا من أيجاد حل لوضعيتهم الشاذة وانسداد الأبواب في وجوههم، لم يجد المعتقلون أمامهم إلا الاعتصام لإسماع صوتهم. إلا أن السلطات وبدلا من الاستجابة لمطالبهم المشروعة المتمثلة في إطلاق سراحهم وعلاج المرضى منهم، حشدت لهم قواتها. ولتبرر استعمال القوة استدعت بعضا من أهالي المعتقلين وطلبت منهم إقناع أقاربهم بفك الاعتصام، ومدتهم بعد انتهاء الزيارة بوثيقة يقرون فيها أنهم فشلوا في ذلك. إلا أنهم رفضوا التوقيع على الوثيقة واعتبروا أنها ضوء أخضر للهجوم على المعتصمين.

وحين لم تنطل الحيلة على أقارب المعتقلين شنت قوات التدخل هجوما عنيفا استعملت فيه القابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية والصواعق الكهربائية والهراوات والرصاص الحي، واستعادت السيطرة على مختلف مرافق السجن مخلفة العديد من الجرحى في حالة خطيرة، وهناك أخبار تتحدث عن وجود وفيات في صفوف المعتقلين.

واجتمع أقارب المعتقلين يوم الإثنين 13 أغسطس أمام سجن الحائر وهم قلقون على مصائر ذويهم، وطالبوا بالسماح لهم برؤيتهم للاطمئنان عليهم، إلا أنهم تعرضوا للطرد. ويوم الثلاثاء 14 أغسطس، توصلت أسر المعتقلين إما عبر اتصال هاتفي أو برسائل اقصيرة باستدعاء من السلطات لزيارة أقاربهم. وتقاطرت الأسر على سجن الحائر منذ التاسعة صباحا، وسمح لمجموعة صغيرة فقط بولوج باحة السجن الداخلية ليضلوا هناك في الحرارة وهم صيام لغاية الحادية عشر ليلا دون أن يسمح لهم بالزيارة. وعندما رفضوا الانسحاب فرقتهم قوات التدخل دونما تفريق بين النساء والرجال، الشيوخ والأطفال، بل أسقطوا امرأة مقعدة من كرسيها المتحرك، وفي اتصال مع أحدهم قال:" أنا الآن في بيتي أضمد جراحي" . ومن جديد توصل الأهالي باستدعاءات هاتفية أو رسائل قصيرة للحضور يوم الأربعاء ليلاقوا نفس معاملة اليوم السابق.

أمام تعنت السلطات والتعتيم حول الأوضاع داخل السجن، اتصل العديد منهم ، الأمهات والآباء والإخوان والأخوات والأبناء يستنجدون بالكرامة. وصرح رجل قائلا" اثنان من أبنائي وابن أخي وابن عمي قضوا مابين خمسة وعشر سنوات دون أية إجراءات قانونية". بينما أشارت أخرى "زوجي مريض بالسرطان ولا أعلم ما مصيره الآن". وصرخت أخت أحدهم باكية "دفنوهم أحياء ضيعوا أحلى سنوات عمرهم... منعوهم من التعليم ...منعوهم من الزواج....منعوهم بكل بساطة من الحياة". وقالت أخرى ترملت وثكلت وزوجي وأبنائي أحياء ....إن هذا يتنافي مع الشرع والقانون وحتى مع قانون الغاب. إنهم ينتقمون منا لأن ذوينا طالبوا بحقوقهم". أما الأب المكلوم فقال: "اعتقل ابني وهو دون الخامسة عشرة مضى على دخوله السجن عشر سنوات، ومنعت من رؤيته منذ أربع سنوات، أخاف أن لا أتعرف عليه إن رأيته".

وتشير الكرامة أن ما يجري في سجن الحائر ما هو إلا نموذج لما يجري في بقية سجون المملكة التي فاضت بنزلائها، فلم يستثن الاعتقال النساء والرجال ولا حتى الأطفال، لترهيب كل من تسول له نفسه أن يفتح فمه بانتقاد أو ملاحظة.

ونشير أن سجل السعودية جعلها تتبوأ مركز الصدارة ضمن الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان، وأن ممارسة الاعتقال التعسفي بهذا الحجم جريمة ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم وأن المسؤلون معرضون للمتابعة أمام المحاكم الدولية. وتتابع الكرامة تطورات هذا الملف مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة.