السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان

يجتمع مجلس حقوق الإنسان في 6 شباط / فبراير 2009 لإجراء المراجعة الدورية الشاملة للتقارير المتعلقة بالعربية السعودية. وللتذكير فقد قدمت الكرامة في هذا الإطار تقريرا تطرقت فيه لوضع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية.

- الأسئلة الأولية للدول

- التقرير الوطني للعربية السعودية

- تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان الخاص بالمملكة العربية السعودية (باللغة الإنجليزية)

- تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان يلخص مساهمات المنظمات غير الحكومية

وفي ما يلي تقرير الكرامة :

 


المملكة العربية السعودية

 المراجعة الدورية الشاملة

  الدورة الرابعة من 2 إلى 13 شباط / فبراير 2008

 8 أيلول / سبتمبر 2008

 

  1. السياق العام
  2. الاعتقالات والاحتجازات التعسفية
  3. التعذيب
  4. العدالة: ثغرات وعدم احترام القانون
  5. التوصيات

 

1. السياق العام

 

تم إعلان المملكة العربية السعودية في 23 أيلول / سبتمبر 1932. وهي ملكية مطلقة يشغل فيها الملك في الآن نفسه منصب رئيس الدولة ورئيس الحكومة و يُصْدِرُ القوانين. كما يقوم بمهمة خادم مدينتين مقدستين، مكة والمدينة. ويمارس، وفقا للقانون الأساسي، السلطات المطلقة على الجيش والمصالح السرية (المباحث العامة) والشرطة والمطاوعة (الشرطة الدينية).

الأحزاب السياسية غير مسموح بها، وبصفة عامة فإن كل معارضة للسلطات القائمة يتم قمعها. في حين أن انحياز الملك للمواقف الأمريكية وانخراط البلد في حرْبَيْ الخليج عامي 1991 و 2003، خاصة في شكل وجود عسكريِّين أمريكيِّين على تراب البلاد صدم الكثير من السعوديين.

إن مشاركة 15 سعوديا في تفجيرات 11 أيلول / سبتمبر 2001 ووجود العديد من المقاتلين في أفغانستان وضعت المملكة في وضعية حرجة. فعلى المستوى الخارجي تتهم المملكة بأنها قاعدة للإرهاب الإسلامي في حين تتنامى الانتقادات على المستوى الداخلي بشأن التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت المملكة العربية السعودية مسرحا للعديد من التفجيرات (الهجمات).

ازداد ضغط الولايات المتحدة على البلاد بعد 11 أيلول / سبتمبر 2001. حيث تطور نسق التعاون بين الحكومتين في مراقبة الجمعيات الخيرية وتحويلاتها المالية. كما مُنٍعت العديد من الجمعيات الخيرية بالرغم من أنها استفادت في السابق من الدعم الرسمي لسلطات المملكة وجمِِّّدت أرصدتها.

تتعثر خطوات تطوير الحركة الإصلاحية التي رأت النور في التسعينات بسبب القمع الذي تتعرض له. حيث تتم ملاحقة الأشخاص الذين يتجرؤون على الانخراط من أجل إصلاحات دستورية. ويتم التعرض بصفة خاصة لدعاة الحريات المدنية والسياسية،  لا سيما إذا ما عبَّروا علنا عن طريق وسائل الإعلام العربية.

تتخذ الاعتقالات والاحتجازات التعسفية لمواطنين سعوديين وأجانب طابعا واسع النطاق ومنهجيا كما أن التعذيب يمارس بصفة منتظمة. وعادة ما تكون المحاكمات غير عادلة وغالبا ما يتواصل حجز المحاكمين بعد قضاء العقوبة.

وبالمقابل ومع تنامي مطالب المجتمع السعودي، أدخل الملك بعض الإصلاحات الدستورية والسياسية. حيث تم اعتماد "قانون أساسي" يتعلق بحقوق ومسؤوليات الحكومة، بمرسوم سنة 1992. كما تم الإعلان عن إصلاح العدالة وسنُّ نظامٍ للإجراءات الجزائية في تشرين الثاني / نوفمبر 2001.

وفي آذار / مارس 1993، تم إنشاء أربعة عشر منطقة إدارية تتمتع بمجالس محلية. وفي آب / أغسطس 1993 تم إنشاء مجلس الوزراء (مجلس استشاري)، يعيِّنُه الملك كل أربعة سنوات، وتتمثل مهمته في مساعدة الحكومة. وفي يونيو / حزيران 2006، لتم تعيين ست نساء في المجلس لأول مرة. ومنذ عام 2005، أصبح اختيار نصف الوزراء يتم بالانتخاب في حين يختارُ الملك النصف الآخر. ولا يتمتع بحق التصويت إلا الرجال البالغين من العمر أكثر من واحد وعشرين عاما. كما يصوتون لانتخاب المستشارين البلديين. وبداية من عام 2009، سيُسمحُ بالتصويت للنساء بداية من سن الحادية والعشرين.

المملكة العربية السعودية عضوٌ في مجلس حقوق الإنسان منذ أيار / مايو 2007 وهي طَرَفٌ في اتفاقية مناهضة التعذيب منذ 23 أيلول / سبتمبر 1997 وقدَّمت تقريرها الأولي للجنة مناهضة التعذيب عام 2001. كما صدَّقَ المجلس الاستشاري على الميثاق العربي لحقوق الإنسان في نيسان / أبريل 2008.

 

2. الاعتقالات والاحتجازات التعسفية:

 

يمثِّلُ الاحتجاز التعسفي دون إجراءات قانونية ودون محاكمة لمدة تصل إلى عدة سنوات مشكلة كبرى لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. ووفقا للمادة 2 من نظام الإجراءات الجزائية فإن اعتقال أو احتجاز أي شخص يجب أن يكون مطابقا  للإجراءات القانونية ومُنَفِّذا لها وأن مدة هذا الاحتجاز تحددها وجوبا السلطة المختصة، وهي السلطة القضائية في هذه الحالة. كما أن الاحتجاز لا يكمن أن يتمَّ إلاَّ في الأماكن المعدَّة للغرض. وتنص المادة 4 من نفس النظام بصريح العبارة على مساعدة محام أو اللجوء إليه بالنسبة لكل الأشخاص الموقوفين أو المحتجزين.

تُعْلِمُ الكرامة بصفة منتظمة هيئات الأمم المتحدة عن حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي. وتتم معظم هذه الاعتقالات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأشخاص اعتقلوا لأسباب سياسية، على يد أعوان مصالح المخابرات العامة (المباحث العامة) بدون الاستظهار بأي أمر قضائي وبدون تقديم أي سبب لتبرير هذا الإجراء. وتشعر الكرامة ببالغ القلق إزاء اعتقال أشخاص مارسوا حقهم في التعبير بطريقة سلمية ومناضلي حقوق الإنسان الذين ينتمي بعضهم للمنظمة.

اعتقل وليد العمري عضو الكرامة في 27 نيسان / أبريل 2007 في المنزل العائلي على يد أعوان أجهزة المخابرات. حيث كان عائدا من جولة عمل في عدد من مدن المنطقة أين التقى أسر ضحايا الاعتقال التعسفي الذين أمدَّوه بمعلومات عن حالات التعذيب والاعتقالات التعسفية وظروف احتجازهم أقاربهم. وكانت هذه المعلومات معدَّة لتقديمها لمختلف آليات حماية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. ولم يتم إعلامه ساعة القبض عليه بأسباب اعتقاله عليه ولا بالأفعال المنسوبة إليه ولم يُسَلَّمْ أيَّ إجراء قضائي. ولم يتم تقديمُهُ أبداً أمام قاض لاتهامه بصفة قانونية ولم يكن قطُّ موضعَ أي إجراء قانوني. وعَلَيْهِ فإنه لم يتم تمكينه من إجراء اعتراضي للطعن في قانونية احتجازه. وهو لا يزال قيد الحجزِ إلى الآن.[1]

الأشخاص الغير موافقون الذين يمارسون حقهم في التعبير عبر شبكة الإنترنت قد يتعرضون لضغوط تصل حدَّ الاعتقال والاحتجاز التعسفي.

اعتقل المواطن السعودي فيصل الماجد في الكويت في 30 أيلول / سبتمبر 2007 وتم ترحيله باتجاه المملكة العربية السعودية. وبعد تعرُّضِهِ لسوء المعاملة في البداية، احتُجِزَ في سرداب في سجن الحائر قرب الرياض لمدة ستة أشهر. وتم استجوابُهُ عن الخطوات التي قام بها مع المنظمات غير الحكومية العربية لإبلاغِها بحالة شقيقه طلال المعتقل هو أيضا منذ ست سنوات. ونُسِبَ إليه إعطاء معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة للمنظمات غير الحكومية عبر شبكة الانترنيت. [2]

فؤاد أحمد الفرحان الفرحان الذي يشرف على مدونة تحظى بالكثير من الإقبال في السعودية (http://www.alfarhan.org/)  وجه صراحة انتقادات لاذعة إلى الاعتقالات والاحتجازات التعسفية التي تتعرض لها شخصيات من الحركة الإصلاحية السعودية تحت غطاء محاربة الإرهاب. ورغم علمه قبل أسبوعين باحتمال اعتقاله، فقد رفض توقيع التصريح بالاعتذار العلني الذي طالبته به وزارة الداخلية. وهكذا تم توقيفه يوم 10 ديسمبر / كانون الأول 2007 واقتياده إلى وجهة مجهولة حيث احتجز بسرية تامة إلى 5 جانفي / كانون الثاني 2008 ليطلق سراحه في 26 أفريل / نيسان 2008 دون محاكمة. [3]

من الشائع احتجاز الأشخاص بصفة سرية ولمدد طويلة تتجاوز الحدود المسطرة قانونيا وخاصة أثناء التحقيق التمهيدي. فالسلطات القضائية لاتستطيع مراقبة الاحتجاز قبل المحاكمة إلا بنسبة ضئيلة. أما أماكن الاعتقال فهي في الغالب مراكز المباحث العامة التي تُفْلِتُ من أي مراقبة من طرف السلطة القضائية.

اعتقل الدكتور سعود مختار الهاشمي يوم 2 فيفري / شباط 2007 بينما كان يجتمع مع 8 شخصيات أخرى معروفة من المجتمع المدني السعودي لمناقشة تشكيل لجنة للدفاع عن الحريات المدنية والسياسية وضرورة إجراء إصلاحات دستورية في البلد. وقد كان للدكتور الهاشمي مداخلات عديدة في وسائل الإعلام العربية لإبداء وجهة نظره حول مختلف القضايا المتعلقة بالوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط وحول تصوره للإصلاحات. وقد برر بلاغ للناطق باسم وزارة الداخلية، العماد منصور التركي، هذه الاعتقالات باتهام هؤلاء الأشخاص بــــ"دعم وتمويل الإرهاب" وكذا " القيام بأنشطة محظورة تتعلق بجمع التبرعات بصفة غير قانونية وتحويل الأموال لأطراف مشبوهة". وهؤلاء الأشخاص الذين تم احتجازهم لمدد طويلة ( 156 يوم بالنسبة للدكتور الهاشمي) لم يمثلوا أبدا أمام هيأة قضائية توجه إليهم تهمة معينة أو تعرفهم بالمبررات القانونية لاعتقالهم. كما أنهم منعوا من استشارة محام أو الاعتراض على مشروعية احتجازهم باستعمال حق الطعن أمام هيأة قضائية. فهم لحد الساعة لم يخضعوا لأية محاكمة.وقد خلص فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في رأيه الاستشاري رقم 27/2007  إلى أن احتجاز الدكتور الهاشمي والشخصيات الثمانية الأخرى يشكل خرقا سافرا للإعلان العالمي عن حقوق الإنسان. [4]

إن الامتناع عن تمكين المحتجزين من الاستعانة باستشارة قضائية أو الاستفادة من الخدمات الطبية الخارجية أو زيارة عائلاتهم يشكل أحد مصادر القلق الرئيسة لمنظمة الكرامة. فالمحامون الموكلون من طرف أقربائهم لايحصلون إلا نادرا على الإذن بتمثيلهم. ولذلك لايملك المعتقلون أية إمكانية قانونية للطعن في مشروعية احتجازهم. بل إن العديد منهم لايتم إطلاق سراحهم بعد انتهاء عقوبتهم ودون تحديد أجل لتسريحهم. [5]

اعتقل السيد محمد هزبر، وهو مواطن سوري يشتغل في السعودية، يوم 03 جويلية / تموز 2003 واحتجز في مكان سري خارج أي إجراء قانوني. وطوال 6 ستة أشهر لم تظفر أسرته بأية معلومة بخصوص مصيره. إذ لم تحصل على الإذن بزيارته سوى مرة واحدة في شهر جانفي / كانون الثاني 2004 بسجن الحائر. حينها علمت أنه تعرض لأصناف بشعة من التعذيب وأنه ظل محتجزا في عزلة تامة لعدة أشهر. وبعد الحكم عليه بـالسجن لمدة 18 شهرا، تم نقله إلى مركز الاعتقال لدى المباحث العامة بالجوف حيث تمنع زيارته. ورغم انتهاء مدة عقوبته، لازال السيد هزبر محتجزا في سرية تامة. علما وأنه أجرى أخيرا مكالمة هاتفية يوم 20 جوان / حزيران 2008، إلا أنه يظل معتقلا دون أي سند قانوني. [6]

 

3. التعذيب

 تنص المادة 2 من نظام الإجراءات الجزائية على أن الشخص المعتقل لايمكن أن يخضع للتعذيب أو المعاملة السيئة. وقد أكدت الحكومة السعودية في تقريرها الأولي لسنة 2001 أن "القانون الداخلي ينص على أنه لايمكن تبرير ممارسة التعذيب بأي ظرف استثنائي، بما في ذلك الأمر الصادر عن مسؤول أعلى". كما أن العربية السعودية تؤكد على أن الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب لايعتد بها أما القضاء وأن بإمكان المتهم أن يتراجع في أية مرحلة من الإجراء عن اعترافاته. ورغم أن حظر التعذيب قد تم التنصيص عليه صراحة في القرار الملكي رقم م/39 الصادر بتاريخ 3 نوفمبر / تشرين الثاني 2001 والذي يقوم مقام  نظام للإجراءات الجزائية ، فإن اللجنة لاحظت عدم وجود أي بند قانوني ينص على العقوبات الجنائية الواجبة في حق من يمارسه. [7]

وتُحيلُ اللجنة أيضا على "إلزام المادة 10 من قانون إدارة الأمن العام الضابط المكلف بالاستنطاق باستخدام "مختلف الوسائل التي يراها مناسبة" للكشف عن سبب التزام المتهم الصمت. ورغم أن الفصل يمنع رسميا اللجوء إلى التعذيب أو الإكراه، فإن مثل هذا الإلزام يرفع بشكل غير مبرر من احتمال حدوث أفعال مناقضة للمعاهدة".

في الواقع، فإن الأشخاص الذين تعتقلهم المباحث العامة يظلون رهن الحبس السري في بناياتها لمدد طويلة أحيانا ويتعرضون غالبا لأصناف من المعاملة السيئة أو التعذيب.

لا يزال السيد عبد الرحيم مرباطي، وهو تاجر بحريني مقيم بالعربية السعودية، رهن الاعتقال خارج أي إجراء قانوني، منذ شهر أوت / آب 2003. حيث انقطعت أخباره عن أسرته منذ 06 جولن / حزيران 2008،. فبعد اعتقاله من طرف المباحث العامة بالمدينة المنورة، تم احتجازه في سرية تامة لأكثر من 4 أشهر. وفي أول زيارة له في ديسمبر / كانون الأول 2003، علمت أسرته بالتعذيب الوحشي الذي تعرض له منذ اعتقاله. فقد كان يجلد عند كل استنطاق بالأسلاك الكهربائية على ظهره وأخمص قدميه. كما تم حبسه في زنزانة شديدة البرودة تحت مصباح ساطع يضئ باستمرار وحرمانه من أي علاج، ولم تتم محاكمته أبدا. [8]

غالبا مايكون الهدف من التعذيب الحصول على "اعترافات" يتم استخدامها فيما بعد في الإجراء العدلي. فيتم نقل المتهمين إلى محلات الشرطة وحبسهم في عزلة تامة في زنزانات لا تتجاوز مساحتها 1 متر على 1،5 متر حيث يتم ضربهم وتهديدهم وسبهم وحرمانهم من العلاج والنوم.

وغالبا ما يتم إخضاع لمعتقلين الذين يطالبون باستشارة أو زيارة الطبيب أو الأقارب أو يحتجون على احتجازهم من الناحية القانونية لعقوبات على شكل تعذيب. كما أن الأشخاص الذين يتعرضون للمعاملة السيئة لا يستفيدون بشكل آلي من العلاج الطبي فلا يتم نقلهم إلى المستشفى إلا عندما يصبح وضعهم الصحي حرجا للغاية.

اعتقلت المباحث العامة يوم 20 جويلية / تموز 2004 خالد غرم الله عودة الزهراني المولود سنة 1972 ولم تسمح لأسرته بزيارته أو توكيل محام عنه أو السؤال عن أخباره، سواء مباشرة أو عبر الإدارة. ولذلك فهي شديدة القلق بشأنه نظرا لكون وضعه الصحي هشا للغاية، فهو يعاني من "تليف خلالي متفش" منذ احتجازه الأول دون محاكمة الذي امتد 6 سنوات من 11 مارس / آذار 1998 إلى 26 أكتوبر / تشرين الأول 2003 ، بحيث تم نقله بصفة استعجالية إلى مستشفى الملك فيصل في الأيام الأولى لاعتقاله الأخير. وقد  نبه التقرير الطبي  الصادر يوم 28 يوليو / تموز 2004 عن مصلحة الطب الداخلي  حيث كان يخضع للعلاج  بعد إجلائه الاستعجالي إلى ضرورة استفادته من عناية طبية جدية وعلاج مختص. لكنه ظل محتجزا إلى حدود يونيو / جوان 2007، في الطوابق التحت أرضية لسجن الحائر في ظروف غير إنسانية. ويبدو أنه تعرض لنوبات تنفسية حادة تطلبت تدخلات بلغت حد الإنعاش. [9]

 

تنص المادة 38 من نظام الإجراءات الجزائية الجنائية على حق المعتقلين في تقديم الشكاوي لكنها لاتشير صراحة إلى إمكانية تعلقها بالتعذيب. ومع ذلك، لاتؤخذ هذه الشكاوي بعين الاعتبار ويتم تجاهل الإدعاءات المتعلقة بالتعذيب أثناء المحاكمات بصورة آلية.

 

4.العدالة : ثغرات وعدم احترام القانون

 

العربية السعودية هي أحد البلدان الإسلامية النادرة التي ينبني فيها النظام العدلي وفقه القضاء، بطريقة شبه حصرية، على القانون الإسلامي الذي يجري في المملكة وفق المذهب الحنبلي. والمملكة لم تستصدر بَعْدُ قانونا جزائيا.

فالأحكام تصدر عن المحاكم المدنية والدينية. بحيث تعالج الأولى القضايا الدولية، مثل المنازعات التجارية والمالية مع شركة أجنبية. ويتم تعيين القضاة من طرف الملك باقتراح من المجلس الأعلى للمسائل القضائية المكون من 12 قاض. ورغم أن استقلالية المحاكم مضمونة بنص المادة 46 من الدستور إلا أن الملك يمكن أن يتدخل لتعديل أو إلغاء الأحكام (المواد 12 و 50).

لكن الملاحظ أن النصوص التشريعية من جهة لا تضمنُ بشكل مقبول مبادئ القانون وأن هذه الأخيرة لايتم احترامها من جهة أخرى .وبما أن المخالفات الجزائية غير محددة بما فيه الكفاية فإن وكلاء النيابة لهم كامل الصلاحية لتحديدها كما أن القضاة يمتلكون هامشا معتبرا لتأويل الشريعة بحيث يتفاوت تقديرهم للجرائم وللأحكام وتصبح قراراتهم في الغالب متعسفة بحكم خضوعها لإملاء السلطة التنفيذية.ويسهِّلُ غيابُ التقنين الاعتقالات والاحتجازات التعسفية والتعذيب. وبذلك  تكون قرينة البراءة مبدأ قليل الاحترام.

فالقانون ينص على فترة احتجاز تحفظي على ذمة التحقيق قابلة للتمديد بصفة غير معقولة. بحيث يمكن للمحقق، الذي بإمكانه تحديدها ب 5 ايام، أن  يحول الملف إلى  مكتب التحقيقات الإقليمي الذي باستطاعته تمديدها إلى 40 يوم. أما إذا تطلب التحقيق وقتا أطول، فإن لمكتب التحقيقات الوطني، التابع لوزارة الداخلية  أن يصدر الأمر بتمديد الاعتقال إلى 6 اشهرأحيانا (المادة 16). كما أن بإمكان المحقق، استجابة لمتطلبات التحقيق، أن يحتفظ بالمتهم في عزلة تامة عن العالم الخارجي، باستثناء محاميه، لمدة 60 يوم  (المادة 119).

وليس من من النادر أن تتم المحاكمات في جلسات مغلقة لايحضرها سوى شهود الإثبات الذين يمكن أن يكونوا ضباط المباحث العامة المكلفين بالتحقيق التمهيدي. وغالبا ما تسيَّرُ الجلسات بسرعة و تتم فيها الإدانة لمجرد الاشتباه على أفعال غير مخالفة للقانون.

تم اعتقال الدكتور سعيد بن زير، البالغ من العمر 56 سنة وأستاذ علوم الإعلام بجامعة الرياض. وباعتباره شخصية معروفة في البلد بمواقفه العلنية الداعية لضرورة إجراء إصلاحات مؤسساتية ودعمه لحركة الإصلاحيين، فقد تم سجنه عدة مرات: كانت أولها لمدة 8 سنوات من 05 مارس / آذار 1995 إلى 24 مارس / آذار 2003 دون محاكمة ودون الخضوع لأية متابعة قضائية. ثم اعتقل مرة ثانية يوم 20 أفريل / نيسان 2004 بعد مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة ، وبقي محتجزا 8 أشهر في سرية تامة ليحكم عليه ب5 سنوات من العزلة  الجنائية بتاريخ 19 سبتمبر / أيلول 2004 بعد محاكمة جائرة لم يتم خلالها احترام أي من حقوقه الأساسية إذ لم يتمكن من الاطلاع على ملف الاتهام أو اللجوء إلى محام يسانده يوم الجلسة. وبعد أن أطلق سراحه يوم 08 أوت / آب 2005، اعتقل مجددا يوم 06 جوان / حزيران 2007 ولا يزال محتجزا في سرية تامة. [10] كما اعتقل ابنه سعد بن زعير، البالغ من العمر 29 سنة والمحامي  والناشط الحقوقي)من طرف مصالح  المباحث العامة بتاريخ 10 أفريل  / نيسان 2007، ولايزال رهن الاعتقال السري.

وقد صرح بعض المحتجزين أنهم خضعوا لمحاكمات صورية لم يحضروها أبدا، إذ يتم استدعاؤهم من طرف قاض يبلغهم نص الحكم ولايتعرفون على التهم الموجهة إليهم إلا في هذه اللحظة، مما يجعل دفاعهم عن نفسهم متعذرا  نظرا لكون الإجراء القضائي أقفل نهائيا حينئذ.

تم الحكم على السيد محمود هزبر المذكور أعلاه بالسجن 18 شهرا نافذة بتهمة عدم التبليغ عن أشخاص مطلوبين من المباحث العامة. وبعد مرور أيام قليلة على اعتقاله، تم إخراجه من زنزانته في ساعة متأخرة من الليل لينقل معصوب العينين إلى مكان مجهول ويزج به في مكتب فيه عدة أشخاص. توجه إلى الشخص الذي ظن أنه القاضي بالشكوى من المعاملة السيئة فصاح في وجهه صائحا: " اخرس. أنت تستحق الشنق"، ثم تلا عليه نصا تبين فيما بعد أنه صك اتهام وأخبره بعد ذلك بأنه محكوم بــالسجن 18 شهرا نافذة. [11]

وتعاقب عدة مخالفات بالإعدام بينما لاتتوفر أدنى الشروط لمحاكمة عادلة. فهذه العقوبة يتم التصريح بها خلال محاكمات لاتلتزم بأبسط المعايير الدولية : فالمتهمون لايمكن أن يوكلوا محاميا والجلسة تكون مغلقة والإدانة تعتمد على " اعترافات" تنتزع بالتعذيب أو الإكراه  كما لايتم إطلاع المتابع أو أسرته على الإجراء.

تم اعتقال خالد محمد القديحي مع شخصيين آخرين يوم 25 يوليو / تموز 2004 واتهم بترويج المخدرات بعد اكتشاف 5 كيلوغرامات من القنب الهندي في شاحنة قادمة من سوريا عبر الأردن. وحكم عليه بالإعدام بتاريخ 26 أفريل / نيسان 2006 بعد محاكمة جائرة تفتقر إلى الحد الأدنى من الضمانات. لم يتمكن خالد القديحي من توكيل محام ولم يعترف بالوقائع المنسوبة إليه معتبرا أن الاعترافات المسجلة في محاضر الاستنطاق انتزعت منه بالإكراه. لكن المحكمة رفضت التحقيق حول ادعائه التعرض للتعذيب ولكتفت بإشارة مقتضبة في دوافع الحكم إلى تصريحات المتهم، موضحة أنه عندما طولب بتقديم أدلة الإكراه  أجاب بعدم توفره عليها. وقد مكن الطعن المقدم من طرف المتهمين من نقض الحكم يوم 02 ديسمبر / كانون الأول 2006، حيث اعتبرت هيأة  الاستئناف أن "حكم الإعدام الصادر في حق المتهمين الأوليين يجب أن يراجع باعتبار قلة الكمية المحتجزة وخلو السجل العدلي للمعنيين من السوابق". ورغم ذلك ، تم إرجاع القضية مرة أخرى يوم 03 ماي / أيار 2003  إلى الهيأة الأصلية المشكلة من نفس القضاة. فقاموا بإلغاء قرار محكمة الاستئناف وأكدوا حكمهم الأول القاضي بالإعدام، مبررين صراحة قرارهم الثاني بـــ"تعليمات السلطة التنفيذية".

 

5. التوصيات:

 

-            على الدولة أن تحارب ممارسة الحبس الممدد دون محاكمة والحبس السري بإنشاء نظام مراقبة لكل أماكن الاحتجاز بالبلد ووضعها تحت مراقبة سلطة المؤسسة العدلية بصفة خاصة،

-            ضمان حق كل شخص محتجز في ممارسة الطعن العدلي القضائي للاحتجاج على مشروعية احتجازه أمام قاض مستقل وتمكين كل متهم، في الممارسة العملية، من توكيل محام في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة،

-            تأمين إجراء قضائي يقدم جميع الضمانات الممكنة الكفيلة بتأمين محاكمة عادلة، خاصة بالنسبة للمتهمين في جريمة يعاقب عليها بالإعدام، وبالأخص عبر توفير مساعدة قضائية مناسبة في جميع مراحل الإجراء والحق في الاستئناف لدى هيأة قضائية عليا والمثول من جديد أمام هيأة أخرى ذات تشكيلة مغايرة،

-            الحرص على أن تكون تشكيلة  الجهاز العدلي مطابقة تماما للمبادئ الأساسية المتعلقة باستقلالية مهنة القضاء والتأكيد بصفة خاصة على مبدأ عدم نقلة القضاة بدون موافقتهم،

-            تبني الإجراءات المناسبة  لحماية المدافعين عن  حقوق  الإنسان والسماح لهم بالتشكل في منظمات غير حكومية مستقلة أو الانخراط فيها أو الاتصال بها طبقا لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 53-144 الصادر بتاريخ 9 ديسمبر / كانون الأول 1998،

-            على المستوى المعياري: على الدولة أن تبحث في إمكانية المصادقة على العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وإيداع الإعلان بموجب المادة 22 من معاهدة مناهضة التعذيب،

على الدولة أن تدرج في تشريعها الداخلي جريمة التعذيب كما يعرفها الفصل الأول من المعاهدة وأن تنشئ العقوبات الملائمة  لزجرها.
 

[1] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=3173&Itemid=166

[2] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=3401&Itemid=166

[3] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=3317&Itemid=166

[4] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=3291&Itemid=166

[5]  يتضمن المرفق قائمة ما يقرب من 360 من المعتقلين الذين لا يزالون في السجن - في بعض الحالات لسنوات - على الرغم من أنهم لم تخضعوا للإجراءات القانونية أو أنهم لم يطلق سراحهم بعد قضائهم مدة العقوبة.

[6] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=3370&Itemid=166

[7] http://www.unhchr.ch/tbs/doc.nsf/(Symbol)/CAT.C.CR.28.5.Fr?Opendocument

[8] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=3431&Itemid=166

[9] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=2620&Itemid=166

[10] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=2564&Itemid=166

[11] http://www.alkarama.org/ws/index.php?option=com_content&task=view&id=3370&Itemid=166