الإمارات العربية المتحدة: الحكم بالسجن على نشطاء، هجوم على حرية التعبير

جاء الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا الاتحادية في الإمارات العربية المتحدة يوم أمس،   والقاضي بإدانة5 ناشطين، بعقوبة السجن لفترات تتراوح بين  2إلى 3 سنوات، نتيجة محاكمة لا تتماشى مع المعايير الدولية الواجب توفرها في المحاكمة العادلة. وقد أصدرت الهيئة المشكلة من أربعة قضاة أجانب، حكمها في بيان شفوي مقتضب، لم يستغرق سوى عشر دقائق، حيث حُكِم على السيد أحمد منصور، أحد الشخصيات الإصلاحية البارزة في  الإمارات العربية المتحدة، بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وسنتين سجنا لكل من المتهمين الأربعة الآخرين، بتهمة سب السلطات الإماراتية وإهانتها بشكل علني، مع الإشارة أنه لا يحق للمعتقلين استئناف الأحكام الصادرة ضدهم في هذه القضية.

وكان أحد أنصار الحكومة قد اعتدى جسديا على أحد أقارب المعتقلين خارج قاعة المحكمة، وفق ما أفاد به ممثل منظمة  الكرامة في أبو ظبي،  الذي شهد حادثة الهجوم، رفقة عضو في هيومن رايتس ووتش، الذي كان يتواجد هو أيضا بالإمارات العربية المتحدة لمراقبة مجريات المحاكمة.

وقال رشيد مسلي،  مدير  القسم القانوني للكرامة "إن مثل هذا الحكم يؤكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تنوي التقيد بالتزاماتها الدولية المرتبطة بحماية والدفاع عن الحق في حرية التعبير" مضيفا "ومن المخيب للآمال أن النداءات الموجهة من مختلف أنحاء العالم العربي والداعية إلى ضرورة توفير مزيد من الحرية والاحترام الحقيقي لحقوق الإنسان، لم تجد آذان صاغية من قبل السلطات الإماراتية".

وللتذكير، فقد تم القبض على الناشطين الخمسة، المعروفين بين أنصارهم باسم "دولة الإمارات العربية المتحدة 5"  في نيسان/ ابريل، ثم وجهت إليهم لاحقا تهمة "توجيه الإهانة علنا" لمسؤولين كبار في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفيما يلي قائمة بأسماء الناشطين الخمسة الذين انطلقت جلسات محاكمتهم  في 14 حزيران/ يونيو في أبو ظبي:

-أحمد منصور، مهندس ومدون، وعضو في اللجنة الاستشارية لهيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط  وشمال إفريقيا؛

-ناصر بن غيث، خبير اقتصادي وأستاذ محاضر في جامعة السوربون في أبو ظبي، وناشط على شبكة الانترنت؛

- فهد سالم الدلق؛

- أحمد عبد الخالق؛

- وحسن علي الخميس.

وقد اتهم الأشخاص الخمسة بموجب المادة 176 من قانون العقوبات،  الذي يجرم الإساءة علنا بحق كبار مسؤولي الدولة،  وكذا استخدامهم المنتدى السياسي المحظور على الانترنت "الحوار الإماراتي". ونظرا لكون المقاضاة المتعلقة بهذه القضية تجري في إطار إجراءات أمن الدولة، فلا يتمتع المتهمون فيها بحق الاستئناف، كما أن الرسائل التي يزعم أن المتهمين قد نشروها، لا تتعدى كونها انتقادا للسياسة الحكومة والقادة السياسيين، وليس ثمة أية  أدلة على قيام هؤلاء الأشخاص باستخدام  العنف أو التحريض عليه، في سياق أنشطتهم السياسية.

وجاء في تصريح لتحالف دولي مؤلف من  جماعات حقوقية، يضم كل من الكرامة ومنظمة العفو الدولية، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، و  الخط الأمامي للدفاع عن حقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، و هيومن رايتس ووتش، ومؤشر الرقابة، أن محاكمة المتهمين الخمسة، ينتهك ضمانات حرية التعبير المنصوص عليها في دستور دولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك في القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وقد دخل المتهمون الخمسة، منذ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، في إضراب عن الطعام احتجاجا على ما يتعرضون له من انتهاكات لحقوقهم الأساسية من قبل القضاء والادعاء العام وإدارة السجون، بما في ذلك ما يعتبرونه احتجازا لفترات طويلة بتهم ذات دوافع سياسية، فضلا عن مواجهتهم محاكمة غير عادلة على نحو فاضح، كما أبلغ  أحد محامو الدفاع الكرامة بأن المتهمين الخمسة يوجدون في حالة صحية سيئة.

وبعد إصدار الحكم، َمَنَع أحد أنصار الحكومة أحد أقارب  المعتقلين الخمسة من التحدث إلى وسائل الإعلام خارج قاعة المحكمة، ثم اعتدى  عليه جسديا، على الرغم  من وجود أمني كثيف.  وخلال الهجوم، وجه المعتدي سيلا من  الشتائم والتهديدات، قائلا: "حتى لو تم الإفراج عن المحتجزين، سوف نقدمهم للمحاكمة بأنفسنا"  ثم وجه المعتدي لكمات لأحد أفراد أسر المعتقلين، ثلاث مرات في وجهه،  مما تسبب له في كدمات.

وقالت الشرطة في الخالدية، أبو ظبي،  بأنهم يحققون في الحادث الذي وقع في  27 تشرين الثاني/ نوفمبر. ويعتبر هذا الهجوم آخر عملية اعتداء في سياق حملة متواصلة من التهديدات بالقتل والتشهير والتخويف ضد الناشطين وعائلاتهم ومحاميهم، علما أن السلطات المعنية لم تحاكم المتسببين فيها.

تذكير بحيثيات القضية

وفقا لائتلاف جماعات حقوق الإنسان، فإن المحكمة قد انتهكت حقوق الناشطين للمحاكمة العادلة، بحيث لم تسمح للمدعى عليهم مراجعة الأدلة والتهم الموجهة إليهم، إلا قبل المحاكمة بستة أشهر، كما لم تسمح المحكمة لمحامي الدفاع من استجواب أحد شهود النيابة ولم تمنح ما يكفي من الوقت لاستجواب الشهود  الآخرين. ودون مزيد من التوضيح، أغلقت السلطات جلسات الاستماع لأربعة لأولى في وجه الجمهور والصحافيين والمراقبين الدوليين وعائلات المتهمين. وفي مناسبات متعددة، رفضت المحكمة النظر في الطلبات المقدمة لإطلاق سراح المتهمين بكفالة، رغم أنه لم يوجه إلي أي متهم من المتهمين أي تهمة بارتكاب جريمة عنف، ولم تشير السلطات من جهتها عن وجود أي خطر فرار يشكله أي من المتهمين الخمسة، مع الإشارة أن  جميع القضاة الأربعة الذين قاموا باستعراض الحالة هم من الأجانب، منهم مصريان وسوري وسوداني، وباعتبارهم  قضاة أجانب،فإنهم لا يتمتعون بوظائف دائمة لدى لمحكمة، مثلما هو الأمر بالنسبة للقضاة الإماراتيين.

ويعتبر القانون الجنائي في  دولة الإمارات العربية المتحدة، التعبير السلمي عن الآراء المنتقدة للسلطات جريمة جنائية، يعاقب عليها القانون بالسجن،  بما ينتهك الضمانات الدولية لحقوق الإنسان لحرية التعبير، كما تجيز المادة 176 من قانون الجنائي إصدار عقوبة قد تصل إلى خمس سنوات سجنا "لكل من يسب علنا رئيس الدولة، وعلمها أو نشيدها  الوطني." أما المادة 8 فتوسع من مجال تطبيق الحكم ليشمل نائب الرئيس، وأعضاء المحكمة العليا بالمجلس الاتحادي وغيرهم.

يواجه منصور اتهامات إضافية منها تحريض الآخرين على انتهاك القانون، والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات،  وتنظيم المظاهرات.  وفي شهر آذار/ مارس،  قبيل إلقاء القبض عليه، كان منصور قد أعرب علنا عن دعمه لعريضة وقعها أكثر من 130 شخصية تدعو إلى تنظيم انتخابات مباشرة ذات معايير دولية للمجلس الوطني الاتحادي، وهي هيئة استشارية حكومية، إلى جانب منح المجلس سلطات تشريعية. وكان قد أجرى قبل اعتقاله العديد من المقابلات مع  محطات تلفزيونية وغيرها من وسائل الإعلام  حول هذه القضية.

وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: "لكل فرد الحق في حرية التعبير... وفي التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار من جميع الأنواع. " وعلى الرغم من أن الإمارات ليست طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإنها تعكس المعايير الدولية المعتمدة، التي لا تسمح بفرض قيود  على المحتوى إلا في ظروف محدودة  للغاية، مثل حالات التشهير أو القذف بحق الأفراد أو التصريحات التي تهدد  الأمن القومي.

وإن المادة 32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي صدقت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة،  يضمن الحق في حرية الرأي والتعبير، ونقل الأخبار إلى الآخرين بأي وسيلة كانت، وأن القيود الوحيدة التي يسمح بها الميثاق على ممارسة هذا الحق " هي تلك التي يفرضها من أجل "احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة كما أن الفقرة 2 من المادة 13 من الميثاق يستجوب أيضا عقد جلسات استماع على أن تكون عامة [إلا]  في الحالات الاستثنائية التي تقتضي فيها مصالح العدالة ذلك، في مجتمع ديمقراطي يحترم الحرية وحقوق الإنسان".

وينص إعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان على انه يتعين على الدول"اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان حماية كل فرد ضد أي عنف، أو تهديد، أو انتقام، أو تمييز ضار أو ضغط أو أي إجراء تعسفي آخر"  نتيجة لمشاركتهم في أنشطة في مجال حقوق الإنسان.

لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني media@alkarama.org
أو مباشرة على الرقم 0041227341007