مصر

 

صفوف من قوات الأمن المركزي المصرية تقمع ا لاحتجاجات في يوم الغضب 25 يناير 2011 (المصدر: م. سولي/ Wikimedia Commons)

ترقبوا

  • ذار/مارس - نيسان/أبريل 2018: استعراض المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمام اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان؛

انشغالاتنا

  • حملة القمع على المعارضة السلمية باعتماد تشريعات صارمة مقيدة للحريات الأساسية بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب؛
  • الممارسة المنهجية للتعذيب وظروف الاحتجاز اللاإنسانية، والحرمان من الرعاية الطبية في السجون؛
  • لاحتجاز التعسفي بعد محاكمات جماعية أمام القضاء العسكري للمعارضين السياسيين والمتظاهرين السلميين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان

في عام 2017، ظلت حالة حقوق الإنسان في مصر من أكثر المسائل المثيرة للقلق في المنطقة العربية بأسرها، مع استمرار الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها موظفو الدولة ضد الطلاب والصحفيين والناشطين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل منهجي وفي جو من الإفلات التام من العقاب .

فرض الرئيس السيسي حالة الطوارئ في أبريل/نيسان 2017 عقب الهجمات الدموية التي شهدتها جميع أنحاء البلاد، وتم تمديدها في يوليو/تموز 2017 ويناير/كانون الثاني 2018. وقد أدت السياسات القمعية التي اعتمدتها حكومة السيسي إلى اعتقالات تعسفية ومحاكمات غير عادلة، ناهيك عن الاختفاءات القسرية والتعذيب، والإعدامات بإجراءات موجزة أو خارج نطاق القضاء. وودع المصريون سنة 2017 بتنفيذ حكم الإعدام في حق 11 طالبا في 27 كانون الأول/ديسمبر بعد محاكمة غير عادلة استندت إلى اعترافاتهم المنتزعة تحت التعذيب.

وشهد هذا العام أيضاً، تبني البرلمان لقوانين أخرى مقيدة للحريات الأساسية، لاسيما قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية رقم 70/2017 الذي صدر في 24 مايو/أيار 2017 وفرض قيودا غير مسبوقة على الحق في حرية تكوين الجمعيات في البلاد.

أما التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في 26 مارس/آذار 2018 فتميز باضطهاد كل مرشح يحتمل أن ينافس الرئيس الحالي، الذي من المتوقع أن يفوز بولاية أخرى. في 3 ديسمبر/كانون الأول 2017، اعتُقل رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق في الإمارات العربية المتحدة ورُحّل إلى القاهرة بعد وقت قصير من إعلان نيته الترشح للرئاسة في تسجيل مصور. كما قضت محكمة القاهرة العسكرية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017 بسجن عقيد في الجيش ست سنوات بعد إعلانه عن نيته الترشح للرئاسة، استناداً إلى منع العسكريين من اتخاذ مواقف سياسية عامة.

استمرار ممارسات الاختفاء القسري والإعدام خارج نطاق القضاء

في عام 2017، رفعت الكرامة العديد من حالات الاختفاء القسري على أيدي جهات حكومية إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. طالت الاختفاءات رجالاً ونساءً على حد سواء، وشملت كل شرائح المجتمع، منهم الطلاب والمدافعون عن حقوق الإنسان الذين اختطفوا بذريعة مكافحة الإرهاب أو بذرائع أخرى تتعلق بأمن الدولة. بعد مخاطبة الحكومة المصرية بشأن أكثر من مائة حالة اختطاف تلاها اختفاء قسري في عام 2017، أعرب الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري عن قلقه إزاء تكرار تلك الممارسة المقلقة، إلا أن السلطات لم تعالج المسألة حتى الآن.

اتخذت ممارسة الاختفاء القسري منعطفا خطيرا بعد إعدام عدة أشخاص بإجراءات موجزة كانوا قد اختطفوا على أيدي عملاء الدولة. واتبعت الحالات نفس الممارسات النمطية: اختطف عناصر من أمن الدولة أو الأمن الوطني الضحايا -ومعظمهم من الطلاب- من الجامعات ومساكن الطلبة قبل اختفائهم. وقدمت أسر الضحايا شكاوى إلى السلطات، لكنها لم تتوصل بأية معلومات عن مصيرهم ومكان تواجدهم، إلى أن علمت بعد عدة أشهر، من خلال بيان نُشر على الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية، أن أبناءهم قتلوا خلال عملية مزعومة لمكافحة الإرهاب في "تبادل لإطلاق النار" بين "الإرهابيين" وقوات الأمن في جزء آخر من البلاد. وأفاد أقارب معظم الضحايا أنه عندما سمح لهم بالاطلاع على جثث ذويهم والتعرف عليها بعد أيام قليلة من وقوع الحادث، كانت تحمل علامات التعذيب: كالكدمات والحرق بالسجائر وغيرها من علامات التشوه، ناهيك عن الطلقات النارية التي كانت واضحة على بعض الجثث. وقد أحالت الكرامة العديد من تلك القضايا إلى الإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة، لكن العائلات طلبت عدم الكشف عن أسماء الضحايا خوفاً من الانتقام.

وفضلا عن عمليات الإعدام التي نفذت في أعقاب حالات الاختفاء القسري، تورطت قوات الأمن المصرية بعدة عمليات إعدام خارج نطاق القضاء ضد المتظاهرين السلميين في جميع أنحاء البلاد. وثقت الكرامة خلال العام 2017 قضيتا الفتى ابن الـ 14 ربيعاً، يوسف عبد القادر محمد عبد القادر خفاجي، والطالبة هبة جمال عبد السلام محمد سليمان، 19 عاما، اللذين أعدما بإجراءات موجزة على يد قوات الأمن والجيش بسبب مشاركتهما على التوالي في احتجاجات سلمية عامي 2013 و 2014. بعد عدة سنوات على إعدامهما، ورغم الشكاوى العديدة التي قدمها ذويهما، لم يتم فتح تحقيقات لتقديم الجناة إلى العدالة. وفي قضية مماثلة، ألقي القبض في 7 أبريل/نيسان 2017، على محمد عادل بلبولة، خريج جامعة الأزهر بالقاهرة، بعد انتقاده للنظام في تدوينة له على الفيسبوك ومطالبته باحترام الحريات المدنية والسياسية، ثم أُعدم بالرصاص بعد فترة وجيزة من اعتقاله من قبل عناصر من قوات الأمن.

حملة قمع شرسة على الحق في حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي

أيضا هذا العام، واصلت السلطات المصرية بلا هوادة حملتها على جميع أشكال الانتقاد السلمي والمعارضة، بتشديد الرقابة على وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت. وحجبت منذ مايو/أيار 2017، أكثر من 400 موقع إلكتروني لمنظمات حقوقية مستقلة ووسائل إعلامية – من بينها مواقع الكرامة وهيومن رايتس ووتش والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان - بذريعة "نشر الأكاذيب" و"دعم الإرهاب". وفي 30 أغسطس/آب، أبلغ كل من المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، الحكومة المصرية عن قلقهما بشأن الاعتداء المستمر على حرية التعبير. وذكر الخبيران أن "تقييد المعلومات بالشكل الذي تقوم به الحكومة المصرية، دون أية شفافية أو تأكيد "أعمال الإرهاب" أو "الأكاذيب" المزعومة هي أقرب للقمع منه إلى مكافحة الإرهاب".

وفي هذا السياق، رفعت الكرامة عدة قضايا تهم أعمال انتقامية من صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من الفاعلين السلميين إلى خبراء الأمم المتحدة. في 28 مايو/أيار 2017، أدرجت "قائمة الإرهابيين" التي أصدرتها السلطات المصرية أسماء تسعة من الصحفيين حوكموا في قضية "غرفة عمليات رابعة" بسبب تغطيتهم أحداث الإعدامات الجماعية للمتظاهرين في ساحة رابعة العدوية في يوليو/تموز 2013. وينجم عن الإدراج على تلك القائمة عقوبات من قبيل منع هؤلاء الأشخاص من السفر وتجريدهم من جوازات السفر وتجميد أموالهم ومنعهم من متابعة أنشطة لها علاقة بالصحافة والنشر.

كما تم تقليص مساحة المجتمع المدني بشكل كبير بعد اعتماد القانون رقم 70/2017 الذي ينظم أنشطة الجمعيات الأهلية والمؤسسات والمنظمات الأخرى العاملة في المجال المدني في 24 أيار/مايو 2017. وقد لاقى مشروع القانون منذ إقراره سنة 2016، انتقادات كثيرة، لاسيما من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي ذكرت في 1يونيو/حزيران 2017 أن القانون "يضر بشدة بحقوق الإنسان في مصر". والواقع أن القانون يحظر على الجمعيات الأهلية القيام بأية أعمال ذات طابع سياسي ويضع أنشطتها وتمويلها تحت رقابة صارمة ومباشرة من السلطة التنفيذية. كما أخضع المنظمات غير الحكومية الأجنبية لمزيد من التدقيق من خلال إنشاء هيئة إدارية مكلفة بمراقبة أنشطتها، بما في ذلك الدراسات والاستطلاعات الميدانية التي يتعين على المنظمات غير الحكومية الحصول على إذن مسبق بشأنها. كما يتعيّن عليهم الحصول على تصديق لنتائجهم قبل نشرها. ويعاقَب انتهاك القانون بالسجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، فضلا عن فرض غرامات باهظة، وهكذا يشرّع القانون المزيد من المضايقات القضائية التي تطال أعضاء المنظمات غير الحكومية والمؤسسين المتهمين تعسفا بـ "تلقي الأموال غير المشروعة" و "القيام بأنشطة غير مشروعة."

الانتقام المنهجي من المدافعين عن حقوق الإنسان

وفي سياق تزايد حملة القمع على المجتمع المدني، وثّقت الكرامة خلال العام 2017 عدة حالات انتقامية ضد مدافعين عن حقوق الإنسان تضمنت حالات اختطاف وتعذيب واحتجاز تعسفي. منها قضية الدكتور أحمد شوقي عبد الستار محمد عماشه، النقابي والعضو في حركة كفاية والمدافع عن حقوق عائلات المختفين قسريا. اختطف الدكتور عماشه في 10 مارس/آذار 2017 عند نقطة تفتيش بالقاهرة من طرف عناصر الأمن الوطني، وظل مختفيا لمدة 21 يوما، تعرض خلالها للتعذيب والاغتصاب. ظهر مجدداً في 1 نيسان/أبريل2017، ووجهت له تهمة "الانتماء إلى جماعة محظورة" بموجب قانون الإرهاب. لايزال عماشه وراء قضبان سجن طرة حيث يحتجز المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون السياسيون في ظروف غير إنسانية ويتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي ولكل أنواع سوء المعاملة. وفي حالة مشابهة، ألقي القبض على الدكتورة حنان بدرالدين عبدالحافظ عثمان في 6 مايو/أيار 2017 على يد جهاز الأمن الوطني، عندما ذهبت للاستفسار عن مصير ومكان احتجاز زوجها. واتهمت بـ "الانتماء إلى جماعة محظورة" و "تشكيل منظمة نسائية"، وهي التي عرف عنها نشاطها في تقديم المساعدة والدعم للنساء اللائي وقع أقاربهن ضحايا لممارسة الاختفاء القسري. وتقبع حالياً في سجن النساء بالقناطر الخيرية في ظروف لا إنسانية، محرومة من حقها في تلقي الزيارات العائلية وعرضة للتعذيب النفسي.

كذلك وثقت الكرامة قضية المحامي إبراهيم متولي، 54 عاما، ومنسق جمعية أسر المختفين، وهي منظمة غير حكومية أسسها عقب اختفاء ابنه عمرو إبراهيم عبد المنعم في يوليو/تموز 2013. اختطف متولي من مطار القاهرة الدولي في 10 أيلول/سبتمبر 2017 أثناء توجهه إلى جنيف لحضور اجتماع مع الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة. وبعد يومين، ظهر أمام محكمة أمن الدولة التي اتهمته بـ "تأسيس جمعية غير مرخصة، ونشر الأكاذيب والتعاون مع هيئات أجنبية بما في ذلك الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة. وفي وقت لاحق، أدان أندرو جيلمور، الأمين العام المساعد لحقوق الإنسان، اعتقال متولي أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. ولايزال متولي محتجزا إلى الآن في سجن ليمان طرة شديد الحراسة في ظروف احتجاز سيئة للغاية.


 

 

خبراء الأمم المتحدة يدينون " ممارسة التعذيب الاعتيادية وواسعة الانتشار والمتعمدة في مصر"

في 23 حزيران/يونيو 2017، خلصت لجنة مناهضة التعذيب بعد أربع سنوات من التحقيق السري، بناءً على تقارير توصلت بها من الكرامة، إلى أن ممارسة التعذيب في مصر "اعتيادية وواسعة الانتشار ومتعمدة". واستند التحقيق إلى المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي تمكّن اللجنة من إجراء تحقيق سري إذا ما تلقت معلومات موثوق بها تفيد بأن التعذيب يمارس على نحو منظم في دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

وأبرزت لجنة مناهضة التعذيب في استنتاجاتها، أن ممارسة التعذيب في مصر "ترتكب على أيدي عناصر الشرطة والجيش وجهاز الأمن الوطني وحراس السجون"، ومن الواضح أنها "ممارسة متكررة يُلجأ إليها بشكل خاص عقب الاعتقالات التعسفية، غالباً لغرض انتزاع الاعترافات أو معاقبة وتهديد المعارضين السياسيين". وشدّد الخبراء أيضا على أن "المدعين العامين والقضاة وموظفي السجون يسهلون ممارسة التعذيب عن طريق عدم كبح ممارسة الاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة أو البت في الشكاوى"، وطالبوا السلطات المصرية بالإسراع في وضع حد لتلك الممارسة ولإفلات الجناة من العقاب. وأكد الخبراء أن النتائج التي آلت إليها التحقيقات أدت بهم إلى "الاستنتاج الحتمي بأن التعذيب ممارسة منهجية".

لم تستجب السلطات المصرية لكل تلك الادعاءات، مشيرة إلى أن المعلومات التي قدمتها الكرامة "تستند إلى إشاعات"، رغم الوثائق المؤكدة من طرف خبراء الأمم المتحدة وبعض المنظمات غير الحكومية. ورفضت السلطات أبرز التوصيات المقدمة من لجنة مناهضة التعذيب لمعالجة مسألة التعذيب، لا سيما "وقف استخدام الحبس بمعزل عن العالم الخارجي؛ إنشاء سلطة مستقلة للتحقيق في ادعاءات التعذيب والاختفاء القسري وسوء المعاملة؛ حصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم ذات الطابع العسكري؛ وفرض منع اختبارات العذرية والتوقف عن إجراء الفحوص الشرجية".