السعودية

 

ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود يشارك في الجلسة العامة الوزارية لمكافحة داعش، 21 يوليو / تموز 2016 (المصدر: وزارة الخارجية الأمريكية / Wikimedia Commons)

ترقبوا

  • تشرين الأول/أكتوبر ، تشرين الثاني/نوفمبر 2018: الاستعراض الدوري الشامل.

انشغالاتنا

  • التعذيب والاحتجاز التعسفي المنهجي، بما في ذلك تمديد فترة الاحتجاز دون سند قانوني؛
  • دابير مكافحة الإرهاب التعسفية والمحاكمات غير العدلة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة التي غالبا ما تنتهي بأحكام الإعدام؛
  • تقييد حرية التعبير والاحتجاز التعسفي للمعارضين السلميين، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان؛
  • الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في اليمن.

في العام 2017، شهدت المملكة العربية السعودية تحولات سياسية هامة بسبب الصراع على السلطة داخل العائلة المالكة. في حزيران/يونيو عين محمد بن سلمان ولياً جديداً للعهد محل محمد بن نايف. كان هذا التعيين قطيعة واضحة مع نظام الحكم القائم على التداول بين أفراد الأسرة الحاكمة لخلق التوازن بين مختلف فروعها، وإعطاء الشرعية للحاكم عن طريق السلطة الدينية. مباشرة بعد تنصيبه، شرع ولي العهد الجديد في اتخاذ تدابير جذرية لتركيز السلطات في يده استعدادا لخلافة والده، وأعاد هيكلة الحكومة والأجهزة الأمنية، وفي تشرين الثاني/نوفمبر، ألقي القبض على عشرات الشخصيات السعودية البارزة ضمنهم أفراد من الأسرة المالكة اتهموا بالفساد. أعطت السلطات بعض الحريات للنساء، كقيادة السيارة وارتياد الملاعب الرياضية؛ بيد أن الحقوق المدنية والسياسية في البلاد تنتهك بصورة منهجية ولم تعرف أي إصلاح.

ولتنويع الاقتصاد الذي تأثر بشدة بسبب تراجع أسعار النفط، أعلن ولي العهد عن مشاريع طموحة لجذب الاستثمارات الخاصة وتنفيذ أجندة اجتماعية أسماها "رؤية السعودية 2030". ورغم ما لاقته "الإصلاحات" المعلن عنها من ترحيب، إلا أن زيارة المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، إلى السعودية في كانون الثاني/يناير ، كشفت عن وجود "مناطق فقيرة جدا في المدن الكبيرة والمناطق الريفية النائية" بسبب "عدم فاعلية واستمرارية نظام الضمان الاجتماعي وضعف تنسيقه، وعدم قدرته على تقديم المساعدات الشاملة لمن هم في أمس الحاجة إليها".

وفي شهر حزيران/يونيو، أعلنت السعودية بالإضافة إلى الإمارات والبحرين ومصر بشكل مفاجئ قطع علاقاتها مع قطر بزعم ارتباطها بإيران ودعمها للإرهاب والتدخل في شؤون الدول المجاورة لها. وفرض تحالف هذه الدول بقيادة السعودية حصاراً برياً وجويا ًوبحرياً على قطر وطَرد المواطنين القطريين المتواجدين على أراضيه، ونشر قائمة بالمطالب لإعادة العلاقات التجارية والدبلوماسية مع قطر.

في آب/أغسطس، دمرت السلطات السعودية بلدة العوامية الواقعة في منطقة الشرقية الغنية بالنفط، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 30.000 نسمة، حيث كانت مركزاً للاحتجاجات ضد التمييز المنهجي الذي تفرضه الحكومة على الأقلية الشيعية في المملكة. دُمّر الحي القديم القائم منذ 400 سنة بالكامل على الرغم من النداءات المتكررة من خبراء الأمم المتحدة والمجتمع المدني لوقف تلك العملية. وأدت عمليات الهدم إلى مواجهات عنيفة مع الأهالي أسفرت عن مقتل أكثر من 20 مدنياً، بالإضافة إلى خمسة مسلحين على الأقل، وفقاً لنشطاء سعوديين.

وأخيراً، واصلت المملكة العربية السعودية حملتها العسكرية على اليمن غير آبهة بكل الانتقادات الدولية لانتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان بخاصة ضد المدنيين. لم يحقق التدخل السعودي في اليمن إلا تقدماً عسكرياً محدوداً ضد قوات الحوثيين المدعومة من إيران، لكن سنوات الحرب الثلاث أدت إلى تفشي مرض الكوليرا وجعل اليمن على حافة الانهيار في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

قانون جديد لمكافحة الإرهاب يعزز قمع الحريات الأساسية

في31 أكتوبر/تشرين الأول 2017، اعتمد مجلس الوزراء السعودي قانونً مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، ليحل محل قانون مكافحة الإرهاب القمعي لعام 2014، ولم يأخذ بالاعتبار أيا من التوصيات التي قدمها بن إمرسون، المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، عقب زيارته للبلاد. والواقع أن القانون الجديد يتضمن أوجه القصور ذاتها الموجودة في القانون السالف، بما في ذلك التعريف الفضفاض للإرهاب الذي يجرم أعمال النقد السلمية، وعدم الامتثال للمعايير الدولية بشأن أصول المحاكمة القانونية الدولية والحق في المحاكمة العادلة.

وعلى غرار قانون سنة 2014، يعرف القانون الجديد الإرهاب بعبارات غامضة، ولا يعتبر استخدام العنف أمرا ضروريا لوصف الفعل بالإرهاب. والواقع أن التعريف يشمل مجموعة واسعة من الأعمال غير العنيفة، من بينها تلك التي "تخل بالنظام العام" أو "تقوض الأمن العام" أو "تزعزع استقرار الدولة وتعرض وحدتها الوطنية للخطر". من ناحية أخرى، وفي محاولة واضحة لتجريم التعبير السلمي والمعارض، يعاقب القانون كل من يصف الملك أو ولي العهد "بشكل مباشر أو غير مباشر" "بوصف يتهجم فيه على الدين أو العدالة"، بالحبس من خمس إلى عشر سنوات. وبالتالي، فإن هذا القانون الجديد يُمَكن من تجريم الأفعال التي تندرج في سياق حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

كذلك، تنتهك عدة أحكام من القانون المعايير الدولية للإجراءات القانونية والحق في المحاكمة العادلة. حيث يمنح النص سلطات تقديرية كبيرة لرئاسة أمن الدولة المنشأة حديثا، وهو جهاز أمني شامل يقدم تقاريره مباشرة إلى الملك وكلف بأمور كانت من اختصاص وزارة الداخلية. كما يسمح القانون بفترات احتجاز طويلة دون توجيه اتهامات رسمية طيلة فترة التحقيق، فضلاً عن حبس الموقوفين بمعزل عن العالم الخارجي. ويمكن احتجاز المشتبه فيهم بناء على قرار من النائب العام، بمعزل عن العالم الخارجي – محرومين حتى من زيارة محاميهم أو أسرهم – لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، كما أن فترة الاحتجاز قد تصل إلى سنة دون المثول أمام سلطة قضائية.

وبالمقارنة مع قانون سنة 2014 السابق، يتضمن النص الجديد فصلاً جديداً من "العقوبات"، يوسع تطبيق عقوبة الإعدام ويشدّد العقوبات التي تطال حرية التعبير والتي تُعتبر "إشادة الإرهاب"، بما في ذلك الآراء التي تُنشر عبر وسائل الإعلام أو عبر شبكات التواصل الاجتماعية.

وأخيراً، ينص القانون على زيادة انتشار " مراكز المناصحة لمكافحة التطرف"، التابعة لرئاسة أمن الدولة، والتي يقدم الأطباء والموظفون الآخرون تقاريرهم إليها مباشرة. مثل هذا الحكم يقيّد حق الأفراد المصنفين بـ "الخطيرين" والذين يشكلون تهديداً إرهابياً، في التنقل، استناداً إلى قرار إداري غير قابل للطعن. أما عملياً فتلجأ السلطات لهذه المراكز لتمديد فترات احتجاز الموقوفين، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون السلميون، بعد قضائهم عقوباتهم السجنية.


تقييد حرية التعبير لتوطيد السلطة

منذ سنوات وحرية الرأي والتعبير مقيّدة في السعودية، غير أنها في العام 2017 باتت أكثر تقييداً مما سبق. شهد المجتمع السعودي بداية شهر أيلول/سبتمبر، حملة قمع غير مسبوقة على حرية التعبير، إذ جرى اعتقال أكثر من 200 شخصية معروفة من ناشطين وعلماء ورجال أعمال وأفراد من العائلة المالكة.

نُفّذت سلسلة الاعتقالات على مرحلتين، كانت الأولى في أيلول/سبتمبر، استهدفت أفرادا إما لاختلافهم مع سياسات ولي العهد أو لأنها لم تظهر ولائها علناً في سياق الأزمة الخليجية مع قطر. وزعم جهاز رئاسة أمن الدولة أن الحملة كانت تهدف إلى حماية المجتمع السعودي من "أنشطة التجسس التي تقوم بها مجموعة من العاملين لدى وكالات أجنبية ضد أمن ومصالح وطريقة عيش المجتمع السعودي وموارده والسلم الاجتماعي للمملكة بهدف إثارة المعارضة وإلحاق الضرر بالنسيج المجتمعي ".

بدأت الحملة باعتقال الداعية الاسلامي سلمان العودة في التاسع من أيلول/سبتمبر، بسبب تغريدته في سياق الأزمة الدبلوماسية الخليجية في حسابه على التويتر، الذي وصل عدد المتتبعين له إلى 14مليون، والتي أعرب فيها عن فرحه للاتصال الذي جرى بين أمير قطر وولي العهد السعودي وقتذاك. وأحالت الكرامة قضيته إلى المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، إلى جانب قضايا كل من الكاتب والباحث الشرعي عبد الله المالكي، والمدافعين عن حقوق الإنسان أعضاء جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) عبدالعزيز الشبيلي وعيسى الحامد.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، طالت موجة الاعتقالات الثانية عدداً كبيراً من رجال الإعلام والأعمال الكبار والأمراء السعوديين. بررت السلطات السعودية الاعتقالات بأنها جزء من حملة لمكافحة الفساد بهدف استرداد الأموال المختلسة. وحسب محمد بن سلمان، يشكل الفساد التهديد الرئيسي والعائق أمام تحقيق التقدم الاقتصادي السعودي وتنفيذ جدول أعمال رؤية السعودية لعام 2030. كما أحدثت الحكومة، قبيل ساعات على انطلاق الحملة، لجنة عليا لمكافحة الفساد كلفت بقيادة هذه العملية.

ويرى غالبية المحللين السياسيين أن الاعتقالات ما هي إلا محاولة من ولي العهد السعودي لتحييد مراكز القوة المتبقية في المملكة والتي قد تعيق وصوله إلى العرش.

انتهاكات الحقوق الأساسية بذريعة مكافحة الإرهاب

واصلت السعودية تذرعها بمكافحة الإرهاب للقضاء على أصوات المعارضة السلمية. وقد اتخذت عدة تدابير لمحاكمة المدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين للحكومة ولسياساتها، فأنشأت المحكمة الجزائية المتخصصة في 2008- وهي هيئة قضائية تختص بقضايا الإرهاب وأمن الدولة وتُعرف بانتهاكاتها المنتظمة لضمانات المحاكمة العادلة- وأصدرت أول قانون لمكافحة الإرهاب في 2014، يجرم أفعالا تندرج في حرية التعبير.

سماح السلطات لبن إمرسون، المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، بزيارة السعودية فاجأ العديد من المراقبين لحالة حقوق الإنسان في البلاد. زار إمرسون ابتداءً من 30 نيسان/أبريل 2017، في جولة استغرقت أربعة أيام هدفت لتقييم المبادرات والسياسات الحكومية المتخذة في سياق مكافحة الإرهاب، ومدى تأثيرها وفاعليتها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان. تخلل الجولة زيارة لمرافق الاحتجاز ولقاءات مع رؤساء وموظفي مؤسسات حكومية وأفراد متهمين أو مدانين بارتكاب جرائم إرهابية. وزودت الكرامة فريق الخبراء الأمميين بالمعلومات المتوافرة لديها ذات صلة بأوجه القصور القانونية والعديد من حالات انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سياق مكافحة الإرهاب.

ومن بين القضايا التي أثارها إمرسون في ملاحظاته الأولية التعريف الفضفاض وغير المقبول للإرهاب، والذي يسمح بتجريم الانتقادات السلمية، فضلاً عن ممارسة التعذيب ضد المشتبه فيهم أثناء التحقيق لإكراههم على الاعتراف، وغياب تحقيقات فعالة، وتطبيق عقوبة الإعدام في أعقاب إجراءات لا تمتثل للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

من ناحية أخرى، أعرب الخبير الأممي عن قلقه إزاء الملاحقات القضائية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان واحتجازهم تعسفاً بحجة مكافحة الإرهاب، وسلّم إلى الحكومة قائمة بالقضايا ذات الأولوية والتي تطلب مراجعة عاجلة. وطالب إمرسون بالإفراج الفوري عن أعضاء جمعية حسم بالإضافة إلى المدون السعودي رائف بدوي والمحامي وليد أبو الخير والمدافع عن حقوق الإنسان فاضل المناسف.

كما سلّط الخبير الأممي الضوء أيضاً على العمليات التي تنفذها السعودية خارج أراضيها في سياق مكافحة الإرهاب، بما في ذلك في اليمن، حيث تسببت الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف بقيادة السعودية في مقتل العديد من المدنيين، وفي سوريا، حيث تدعم السعودية جماعات مسلحة في المعركة القائمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يرتكب هو أيضاً انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان