ترقبو

  • آذار/مارس 2018: عرض تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب حول زيارته إلى تونس على مجلس حقوق الإنسان.

انشغالاتنا

  • انتهاك الحقوق الأساسية والضمانات الإجرائية بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب والمرسوم الرئاسي المتعلق بحالة الطوارئ؛
  • ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛
  • القيود غير المبررة على الحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات في ظل حالة الطوارئ.

واصلت تونس، سنة 2017، العمل بحالة الطوارئ التي دخلت حيز التنفيذ في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بعد هجوم على قوات الأمن الرئاسية متحججة بالتهديدات الإرهابية وضرورة التصدي لها. تجديد العمل بقانون الطوارئ كل ثلاثة أشهر مسألة تدفع على الشعور بالقلق، لاسيما وأن ممارسات من قبيل الاعتقال التعسفي والتعذيب واستخدام العنف من قبل الشرطة طفت على السطح مجددا منذ فرض العمل بها. وقد تيسر ذلك بسبب غياب إصلاحات فعالة للشرطة والنظام القضائي، وتدخل السلطة التنفيذية في صلاحياتها منذ ثورة 2011.

في 6 أيلول/سبتمبر 2017، وأمام الضغط العام قرر رئيس الوزراء يوسف الشاهد، المنتمي لحزب نداء تونس، تجديد حكومته، وتغيير 13 وزيرا من بينهم وزير الداخلية والدفاع. ووصف رئيس الوزراء الحكومة الجديدة بأنها "حكومة حرب"، وأنها ستواصل "مكافحة الإرهاب والفساد والبطالة وعدم المساواة الإقليمية".

وقي نفس الآن أدت التدخلات العنيفة لتفريق عدة مظاهرات والاعتقالات التي نفذت في نهاية عام 2017 إلى تسليط الضوء على القيود المفروضة على حرية التجمع السلمي. وجاءت هذه القيود نتيجة تطبيق مرسوم حالة الطوارئ الذي يسمح لوزارة الداخلية بتقييد الحق في حرية الحركة، وتعليق جميع الإضرابات والمظاهرات، وحظر وتفريق جميع التجمعات السلمية التي تعتبر تهديدا للنظام العام.

انتهاك الحق في حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي

أدّت ثورة 2011 إلى تقدم كبير في احترام الحقوق الأساسية مثل حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، لكن حالة الطوارئ المتواصلة فرضت قيودا لا مبرر لها على هذه الحقوق من قبل السلطة التنفيذية بحجة الحفاظ على النظام العام والأمن.

تمّ تعزيز الحق في تكوين الجمعيات بداية بموجب قانون الجمعيات لعام 2011 الذي أنشأ نظاما إعلانيا للتسجيل. لكن ومنذ الهجمات الإرهابية سنة 2014، أصدرت السلطة التنفيذية أوامر بتعليق أكثر من 150 جمعية "للاشتباه" في علاقتها مع منظمات إرهابية، وهو ما يشكل انتهاكا لقانون العام 2011 الذي يمنح هذه السلطة حصريا للسلطة القضائية. أوصت العديد من منظمات المجتمع المدني قبل الاستعراض الدوري الشامل لتونس بإعادة الأهلية فورا للمنظمات غير الحكومية التي تم تعليقها من قبل السلطة التنفيذية.

وعلاوة على ذلك، فرضت قيود مشددة على الحق في حرية التجمع السلمي عام 2017. وقد نظمت عدة مظاهرات في جميع أنحاء البلاد تدعو إلى احترام الحريات الأساسية وإعادة توزيع الثروة على نحو أفضل في المناطق الأكثر فقرا، لكن تمّ تفريق بعضها بعنف، في انتهاك للمعايير الدولية المعمول بها. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017، أصدر حاكم ولاية سليانة أمرا بحظر جميع التجمعات العامة في المنطقة التي لم تحصل على إذن مسبق من الإدارة المحلية.

يتم تكريس ممارسة الاستخدام غير المتناسب للقوة لتفريق المظاهرات من خلال العديد من القوانين الموروثة من النظام السابق. تحظى وزارة الداخلية، بموجب المرسوم الرئاسي الصادر في عام 1978 بشأن حالة الطوارئ، بصلاحيات واسعة لمنع جميع الإضرابات والمظاهرات وحظر وتفريق جميع التجمعات التي تعتبر "تهديدا" للنظام العام، وإصدار أمر بإلقاء القبض على أي شخص يعتبر نشاطه تهديدا للأمن والنظام العامين. ولا تزال السلطات ترجع لهذا التشريع البالي، الذي يديم استخدام التدابير التقييدية لمنع التجمعات السلمية دون رقابة قضائية فعالة ولا تقييم سابق لتناسبها وضرورتها.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القانون رقم 4 لعام 1969 بشأن التجمعات العامة لا يلتزم بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية، حيث أنه يسمح لقوات الأمن باستخدام القوة دون تمييز ضد المتظاهرين. وقد أعلن الوفد التونسي أثناء الاستعراض الدوري الشامل في أيار/مايو، أن عملية مراجعة القانون "لا تزال جارية" على الرغم من أنها بدأت بعد الثورة. وأوصت الدول في وقت لاحق بأن تكفل السلطات تناسب القوانين المتعلقة بالتجمعات وتكوين الجمعيات مع المعايير الدولية.

انتهاك حقوق الإنسان في سياق حالة الطوارئ ومكافحة الإرهاب

أدت حالة الطوارئ المتواصلة إلى استمرار القيود غير المبررة على الحقوق والحريات الأساسية، ولا سيما في سياق مكافحة الإرهاب. تستند حالة الطوارئ إلى المرسوم الرئاسي رقم 50-78 بتاريخ 26 كانون الثاني/يناير 1978 الذي منح بموجب المادة 5 وزير الداخلية صلاحيات "وضع أي شخص يعتبر نشاطه خطيرا على النظام العام تحت الإقامة الجبرية". لكن هذا القانون الموروث عن النظام السابق لم ينص على وجوب مراجعة قرارات الجهاز التنفيذي من طرف سلطة قضائية مستقلة.

عقب نهاية زيارته لتونس في الفترة من 30 كانون الثاني/يناير إلى 3 شباط/فبراير 2017، أصدر بن إمرسون، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، استنتاجاته الأولية.

وأفاد المقرر الخاص بأنه علم بالتحقيقات والملاحقات القضائية الجارية ضد أكثر من 1.500 متهم بالإرهاب، في حين أن 10 في المائة منهم فقط صدرت في حقهم أحكام حين زيارته، والنتيجة أن الغالبية العظمى من المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية وضعوا رهن الحبس الاحتياطي لفترات طويلة. ودعا الخبير السلطات إلى تسريع الإجراءات القضائية عن طريق تزويد السلطات القضائية بالموارد المالية والبشرية الكافية.

ونبّه المقرر الخاص أيضا إلى أن حوالي 150 شخصا كانوا أثناء زيارته موضوعين قيد الإقامة الجبرية بموجب المادة 5 من المرسوم الرئاسي رقم 78-50، وأوصى بتعديل هذا النص وإدراج المراقبة القضائية على الأوامر التنفيذية لوزارة الداخلية.

خلال الاستعراض الدوري الشامل الثالث لتونس الذي عقد في 2 مايو/أيار 2017، أثارت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان مسألة انتهاك حقوق الإنسان الناجمة عن اللجوء إلى تدابير حالة الطوارئ ومكافحة الإرهاب. و خلال الدورة السادسة والثلاثون للجنة المعنية بحقوق الإنسان، التي انعقدت في سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت السلطات التونسية قبولها بـ 182 توصية من أصل 248 توصية قدمتها الدول الأعضاء، منها المتعلقة بـ "ضمان احترام حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، وخصوصا الحق في المحاكمة العادلة ومراعاة الإجراءات القانونية الواجبة".

استمرار ممارسة التعذيب وسوء المعاملة والظروف اللاإنسانية للاحتجاز

ومن بواعث القلق في تونس ممارسة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة في الاحتجاز. فالتعذيب يمارس على وجه الخصوص - وليس حصريا - في سياق مكافحة الإرهاب لانتزاع اعترافات الضحايا التي تستعمل بعد ذلك كدليل أمام المحكمة. وعلى الرغم من ادعاءات التعذيب التي أثارها الضحايا أمام المحاكم، لم يصدر حتى الآن أي قرار يستبعد تلك الاعترافات القسرية، مما يترك العديد من الأفراد محتجزين تعسفا في أعقاب محاكمات غير عادلة.

ودعا المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، أثناء زيارته لتونس، السلطات إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لمنع واستئصال التعذيب وسوء المعاملة، وأعرب عن قلقه إزاء غياب تحقيقات فورية وشاملة ومستقلة في ادعاءات التعذيب التي يبلغ بها المحتجزون. وأوصى الخبير الأممي أيضا بإصلاح قانون الإجراءات الجنائية لحظر الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب وسوء المعاملة وضمان حق جميع المشتبه فيهم في الاستعانة بمحام منذ لحظة القبض عليهم. وأوصى كذلك بتركيب كاميرات فيديو في مرافق الاحتجاز والاستجواب.

وخلال الاستعراض الدوري الشامل لتونس في أيار/مايو 2017، دعت عدة دول السلطات التونسية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التعذيب وسوء المعاملة، ولا سيما ضمان التحقيق بصورة منتظمة في مزاعم التعذيب وإخضاع الجناة للمساءلة، فضلا عن تعزيز استقلال الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب. وسلّط الوفد التونسي الضوء على انخفاض عدد شكاوى التعذيب التي تراجعت من حوالي 492 قضية في عام 2013 إلى 200 قضية سنة 2016. غير أن ممثلي الدول نبهوا إلى أن الـ 200 شكوى المذكورة لم يحل منها إلى المحاكم سوى 53، وأن نتائج تلك الإحالات بقيت مكتومة.

وبالإضافة إلى ذلك لا تزال ظروف الاحتجاز في سجون البلاد صعبة للغاية. وبالفعل اعتبرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، سنة 2016، أن تلك الظروف ترقى إلى المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة. كما أعرب المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب عقب زيارته لتونس عن قلقه إزاء الظروف السجنية التي شهدها، والتي لا تمتثل للمعايير الدنيا الدولية، ولا سيما في سجن المرناقية.

وشدّد الخبير الأممي على أن سجن المرناقية يعاني من الاكتظاظ، حيث يحشر السجناء في عنابر نوم مشتركة لا تتوفر على مساحة كافية ولا يدخلها النور الطبيعي، فضلا عن المرافق الصحية غير الكافية. وعلاوة على ذلك، أكد الخبير الأممي أن وضع المحتجزين المتهمين بالإرهاب في الحبس بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة قد يرقى إلى المعاملة اللا إنسانية والمهينة.

وأخيرا، وفي سياق متابعة لجنة مناهضة التعذيب لاستعراض تونس عام 2016، أعدت الكرامة تقريرا لتقييم التنفيذ الفعلي للتوصيات التي سبق أن أصدرتها لجنة مناهضة التعذيب، بما في ذلك التدابير المتخذة لمعالجة اكتظاظ السجون و ممارسة الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي. وأشارت الكرامة في تقريرها إلى أن السلطات لم تعالج هذه القضايا وأبرزت أوجه القصور في القانون والممارسة لمنع التعذيب وسوء المعاملة، وغياب التحقيقات ومساءلة الجناة. كما أثارت الكرامة أيضا في تقرير المتابعة قضية المحامية نجاة العبيدي التي حكم عليها في 11 مايو/أيار 2017 من قبل المحكمة الابتدائية بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة "التشهير". وكانت العبيدي تمثل ضحايا التعذيب في قضية "براكة الساحل"، التي يتابع فيها أمام محكمة عسكرية المتورطون في تعذيب 244 عسكريا اتهموا بالتحضير لمحاولة انقلابية في عام 1991. وأدانت هذه المحامية العديد من المخالفات التي منعت الضحايا من حقهم في انتصاف فعلي. وندد العديد من المحامين التونسيين بالحكم على العبيدي واعتبروه عملا انتقاميا بسبب انتقاداتها العلنية.