السودان

 

السودان: فلاديمير بوتين وعمر البشير، 23 نوفمبر 2017 (المصدر: www.kremlin.ru/Wikimedia Commons)

ترقبوا

  • تشرين الأول/أكتوبر - تشرين الثاني/نوفمبر 2018: استعراض السودان أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان.

انشغالاتنا

  • الاستخدام المنهجي للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء الاعتقال وفترة الاحتجاز؛
  • الاضطهاد القضائي للصحفيين والمعارضين السياسيين والفاعلين في مجال حقوق الإنسان؛ وتقييد الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي؛
  • عدم الامتثال للمعايير الدولية المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة، لا سيما في حالات المعارضين والنشطاء السلميين و القضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن.

شهد السودان سنة 2017، تطورات مهمة على صعيد سياسته الخارجية، لاسيّما في علاقته مع القوى العالمية الكبرى. فبعد أن رفعت إدارة أوباما في يناير/كانون الثاني 2017، مؤقتا الحصار الاقتصادي الذي كانت تفرضه الولايات المتحدة منذ 20 عاما على البلاد- مع إخضاعه لمراجعة دورية نصف السنوية، قررت إدارة ترامب جعل القرار نهائيا في أكتوبر/تشرين الأول. لاقى هذا القرار انتقاد بعض جماعات حقوق الإنسان الذين وجدوا أنه يفتح المجال أمام الاستثمار الأمريكي في الصناعة البتروكيماوية والنفط السودانية، الأمر الذي أثار خشيتهم من أن يؤدي القرار إلى خفض الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية الهادفة لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

وتوسّع التعاون الدولي السوداني مع القوى العالمية بعد فترة وجيزة من رفع الحصار، فقام الرئيس السوداني عمر البشير بأول زيارة رسمية لروسيا في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017. وتمت الزيارة على الرغم من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق البشير لاتهامه بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في العام 2005.

رغم تحسن علاقات السودان مع الخارج في العام 2017، استمرت حالة حقوق الإنسان في البلاد في التدهور، وازدادت القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. ويعانى المعارضون السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان على وجه الخصوص، من تفاقم قمع الدولة لهم ووقعوا ضحايا الاختطاف والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والاحتجاز التعسفي.

وفي أيار/مايو 2017، دعا الخبير المستقل للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان السلطات إلى "إجراء إصلاحات ديمقراطية كوسيلة لضمان حماية وتعزيز حقوق الإنسان في البلاد". وأعرب عن قلقه إزاء المضايقات التي تتعرض لها الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والقيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية، وندّد أيضا بمراقبة الصحف وزيادة القيود المفروضة على الصحفيين لمنعهم من التعبير بحرية عن آرائهم.

الانتقام ضد المدافعين عن حقوق الإنسان

شاركت الكرامة سنة 2017 إلى جانب العديد من منظمات حقوق الإنسان مطالبتها بالإفراج عن اثنين من المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين تعسفياً: حافظ إدريس والدكتور مضوي إبراهيم آدم اللذين احتجزا طيلة تسعة أشهر انتقاما منهما بسبب عملهما في مجال حقوق الإنسان.

قام عناصر تابعين لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بالقبض على حافظ إدريس الدومة، ناشط حقوقي يدافع عن النازحين داخليا في السودان، بمنزل أقاربه في منطقة أم درمان واقتادوه قسراً إلى مكان مجهول دون إذن قضائي. لم تفلح المساعي التي قام بها أقاربه لدى السلطات في الحصول على معلومات حول مصيره ومكان تواجده. وقد تعرض أثناء اعتقاله لشتى أنواع التعذيب بما في ذلك الصدمات الكهربائية والضرب لانتزاع اعترافاته.

بعد أسابيع قليلة من اعتقال إدريس، اختطف عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الوطني في 7 ديسمبر/كانون الأول 2016، الدكتور مضوي إبراهيم آدم، بعد أن جروه وسائقه قسرا بالقرب من جامعة الخرطوم، دون شرح للأسباب أو إبراز مذكرة توقيف، واقتادوهما إلى جهة مجهول حيث تعرضا للتعذيب وسوء المعاملة. كما اقتحم عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني أيضاً منزل الدكتور مضوي وصادروا بعض المقتنيات دون إذن قضائي. ظل الضحية مختفيا لعدة أسابيع، ورفضت السلطات تزويد أسرته ومحاميه بأية معلومات عن مصيره ومكان تواجده نافية أن يكون محتجزاً لديها.

وفي أواخر كانون الثاني/يناير 2017، سمح لعائلته بزيارة سريعة له في سجن كوبر المركزي بالخرطوم. وأعرب أقاربه عن قلقهم الشديد إزاء حالته الصحية التي بدت متدهورة، فكان نقصان وزنه واضحاً بسبب إضرابه عن الطعام احتجاجاً على احتجازه التعسفي وسوء المعاملة التي تعرض لها. ولم يكتف المسؤولون عن اعتقاله من حرمانه من الأدوية الضرورية له بسبب مرض القلب الذي يعاني منه من قبل الاعتقال، بل كانوا يمعنون في تعذيبه من خلال ربطه بجهاز تبريد والإمعان بضربه بحسب ما أفاد به بعض المعتقلين السابقين معه.

وفي 5 يونيو/حزيران، وجّه النائب العام لأمن الدولة لكل من حافظ إدريس والدكتور مضوي إبراهيم آدم ست تهم هي "نشر تقارير كاذبة"، "إثارة الكراهية الطائفية"، "تقويض النظام الدستوري"، "التجسس"، "شن الحرب ضد الدولة" و "إدارة منظمة إرهابية"، علماً أن التهمة الأخيرة تقابلها عقوبة السجن مدى الحياة أو الإعدام.

وفي 29 أغسطس/آب 2017، صدر عفو رئاسي وأطلق سراح الدكتور مضوي في اليوم نفسه، وبعد يومين تبعه حافظ إدريس. لكن ذلك القرار، لم يمنع من استمرار تقييد السلطة لحيز نشاط المجتمع المدني، وخطر تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان لأعمال انتقامية بسبب نشاطهم السلمي والمشروع.

الاعتقالات السرية كأداة قمع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين

وعلى غرار السنوات السابقة، كان أفراد جهاز الأمن والمخابرات الوطني أول المرتكبين لانتهاكات حقوق الإنسان التي تم التبليغ عنها في العام 2017، لا سيما الاعتقالات التعسفية التي طالت معارضين سياسيين وطلاب ومدافعين عن حقوق الإنسان. وتعرّض جميع الضحايا للاعتقال السري لفترات طويلة، ذاقوا خلالها شتى أنواع التعذيب انتقاماً منهم على نشاطهم السلمي، وكوسيلة لانتزاع اعترافات تجرمهم، وتستخدم فيما بعد لاتهامهم وإدانتهم أمام المحكمة.

فعلى سبيل المثال، في 13 مارس/آذار 2017، أطلق سراح تسنيم أحمد طه الزكي ونورة عبيد دون إجراء قانوني بعد أكثر من شهرين من اختطافهما من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وقد استهدفت المرأتين بسبب نشاطهما الحقوقي؛ فالأولى محامية والثانية كانت تعمل محاسبة في شركة هندسية تابعة للحقوقي البارز مضوي إبراهيم آدم مضوي.

كذلك، نال المعارضون السياسيون نصيبهم من الاستهداف والقمع، إذ رفعت الكرامة والتحالف العربي من أجل السودان عدة حالات لاعتقالات واختفاءات إلى الإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة. نذكر من بين تلك الحالات، قضيتي محمد الأمين، أحد قياديي الحزب الوحدوي الناصري "حشد" وعضو الهيئة العامه بتحالف قوى الإجماع الوطني، الذي اعتقل في كانون الثاني/يناير 2017، وموسى علي أحمد عابدين ومالك عبد الله عبد القادر، السياسيان المختطفان منذ ست سنوات من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

ترقى ممارسة الاعتقال السري التي يلجأ إليها جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى مستوى الاختفاء القسري، الذي يعدّ من أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي. وفي العام 2017، كان من المقرر أن يجري الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة زيارة قطرية في الفترة من 20 إلى 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. لكن السلطات أجلت الزيارة، ولم تحدد حتى الآن موعداً آخراً لها.

وأخيراً، فإن انتهاكات حقوق الإنسان لاتزال تثير قلقا كبيرا، لا سيّما وأن أفراد جهاز الأمن والمخابرات الوطني يتمتعون بحصانة بموجب قانون الأمن الوطني لعام 2010 عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء ممارستهم لمهامهم. ومع السماح لجهاز الأمن والمخابرات الوطني بالعمل دون رقابة قضائية مستقلة، والقيام باعتقالات تعسفية ممنهجة واحتجازات سرية، فقد أضفى القانون على تلك الممارسات طابعاً شرعياً مؤسساتياً، مما يعرض المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين للخطر.

الممارسات الممنهجة للتعذيب والاحتجاز التعسفي

وفي هذه السنة أيضاً، تواصلت ممارسة التعذيب على نطاق واسع في البلاد، خاصة وأن السودان لم يصدّق بعد على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. ولا وجود لأي تعريف للتعذيب في القانون الجنائي للبلد، ويقتصر النص القانوني على ذكر أن التعذيب محظور ويحكم على فاعله بالسجن لمدة ثلاثة أشهر. من ناحية أخرى، يتضمن القانون الجنائي السوداني عقوبات بدنية – ترقى إلى حد التعذيب وسوء المعاملة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان – ويُقضى بتلك العقوبات على جملة كبيرة من الأفعال، بما في ذلك عقوبة الرجم لفعل الزنى وهو من جرائم الحدود (المادة 146) وعقوبة الجلد عن جرائم أخرى تم تعريفها بشكل فضفاض لا تدخل في جرائم الحدود من قبيل "الإخلال بالنظام العام" (المادة 68) أو "الأفعال الفاضحة والمخلّة بالآداب العامة" (المادة 152).

تلجأ أجهزة الأمن بشكل منهجي إلى التعذيب وإساءة المعاملة، لا سيما أثناء احتجاز الضحايا سراً. ويبقى الفاعلون في مجال حقوق الإنسان والصحفيون والمعارضون السياسيون هم الأكثر عرضة للتعذيب. ويتعرّض جميع المحتجزين - بمن فيهم الأطفال - لخطر تلك الانتهاكات والممارسات. كما يحرم المحتجزون من حق تلقي الزيارات، ويعتقلون في ظروف غير إنسانية. وفي الحالات التي وثقتها الكرامة يظهر واضحاً كيف تواصل السلطات حرمان المحتجزين من الرعاية الطبية المناسبة، مما يعرض حياتهم وصحتهم للخطر.

وقد أصبحت ممارسة الاعتقال التعسفي مصدراً للقلق، لأنها تطال المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وغيرهم من الفاعلين السلميين؛ وباتت تستخدم كوسيلة لردع المعارضة ومنع الانتقادات. وفي هذا الخصوص، لا بد من الإشارة إلى أن قانون الأمن الوطني لسنة 2010 يُدخل مجموعة واسعة من الأعمال في نطاق اختصاص جهاز الأمن والمخابرات الوطني، منها "الحفاظ على النسيج الاجتماعي وسلامة أفراده من أي تهديد داخلي أو خارجي" و "كشف ومراقبة الأنشطة التخريبية التي تمارسها المنظمات والجماعات والأفراد"؛ وبالتالي فإن الكثير من الأنشطة السياسية السلمية و العمل في مجال حقوق الإنسان سيندرج عملياً ضمن تلك الأعمال حسب السلطة التقديرية لجهاز الأمن والمخابرات الوطني.

أضف إلى ذلك، أن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2001، يبيح الاحتجاز التعسفي من خلال ما يتضمنه من تعريف فضفاض للإرهاب، من قبيل إلحاق الضرر بممتلكات الدولة أو "أصولها الاستراتيجية"، والأهم من ذلك، إنشاء محاكم خاصة يصيغ قواعدها الإجرائية رئيس المحكمة العليا ووزير العدل. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن من قام بإرساء القواعد التي تطبقها تلك المحاكم ينتمي إلى السلطة التنفيذية – الأمر الذي ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات – نجد أن تلك القواعد تسيء لقانون الإجراءات الجنائية في البلاد. فهي على وجه الخصوص، تسمح بإجراء محاكمات غيابية، وتقلص بشكل كبير الوقت المتاح للمدعى عليه للاستئناف، وتحدّ عملية الاستئناف من مرحلتين كما هو الشأن في المحاكم العادية إلى واحدة فقط في قضايا مكافحة الإرهاب. وفي الممارسة العملية، يحتجز المشتبه بهم بمعزل عن العالم الخارجي، ولا يتم إبلاغهم بالتهم والأدلة الموجهة إليهم، ويحرمون من إعداد دفاعهم بالشكل الملائم.

إن اعتقال المدافع البارز عن حقوق الإنسان الدكتور مضوي إبراهيم آدم من قبل أعضاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني ومحاكمته بتهمة الإرهاب، عدا التهم الأخرى، لمثل واضح عن استمرار استخدام قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001، وقانون الأمن الوطني لسنة 2010 كأدوات قانونية لمواجهة الانتقادات السلمية والمعارضة السياسية في البلاد.