قطر: من التنفيذ إلى الفعالية

في شهر مارس 2014، قدمت قطر معلومات تكميلية عقب تلقيها الملاحظات الختامية الصادرة عن لجنة مناهضة التعذيب في 25 يوليو 2006، التي استعرضت التقرير الأولي لدولة قطر خلال دورتها الـ 36 في مايو 2006. وكانت قطر قد قدمت في 2012 تقريرها الدوري الثاني الذي استندت إليه اللجنة لدى اعتماد توصياتها في 29 تشرين الثاني 2012.

وقد اطلعت الكرامة بعناية على المعلومات التي قدمتها قطر إلى اللجنة في مارس 2014، ورغم إقرارها بالجهود المبذولة من طرف قطر للامتثال للمعايير الدولية، إلا أن المنظمة سجلت العديد من الثغرات في القانون القطري والممارسات المحلية، وأعربت عن أملها في إجراء حوار بناء بين السلطات القطرية وخبراء اللجنة من أجل توضيح الوضع الحالي. كما يحدو الكرامة أمل المساهمة في الاستعراض القادم للدولة الطرف فيما يتعلق بجملة من القضايا التي تقدمها عادة المنظمات غير الحكومية، من أجل لفت انتباه اللجنة، خلال الاستعراض المرتقب للدولة الطرف، وتوجيه اهتمامها إلى أي قضية أو موضوع أو مجال يتعين أن يحظى بالأولوية اللازمة التي تستدعي مزيدا من الفحص، وكذا تقديم معلومات لدعم حجج هذه المنظمات.

تبرز قائمة المسائل التي قدمتها الكرامة القضايا الرئيسية التالية:

تعريف التعذيب وتجريمه
سجلت الكرامة بارتياح إدراج قطر لتعريف التعذيب المنصوص عليه في المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب في تشريعاتها المحلية ضمن المادة 159 مكررة من قانون الإجراءات الجنائية، مشيرة إلى أن ممارسة التعذيب تم تجريمها في هذه المادة، لكن مع ذلك، تعبر الكرامة عن أسفها لعدم وجود معلومات حول الإحالة والتطبيق الفعليين لهذه الأحكام أمام المحاكم المحلية، معربة عن قلقها بالخصوص إزاء:
• مخالفات عديدة في سير عمل المحاكم.
• غياب المبادئ التوجيهية القانونية فيما يتعلق بتفسير العناصر المكوّنة لممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة (مدى شدة الألم والمعاناة، تعريف نية التسبب في مستوى عال من الألم والمعاناة بما في ذلك عن طريق التهاون وما إلى ذلك).

حظر مطلق للتعذيب وعدم قبول الذرائع المبررة له
تلاحظ الكرامة أن الإطار القانوني القطري لا يتضمن أي حكم من شأنه أن يضمن عدم التحجج بأي ظروف استثنائية مهما كان الأمر، بما في ذلك حالة بالحرب أو التهديد به أو انعدام الاستقرار السياسي الداخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخرى، وأنه لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة، كمبرر للتعذيب أو سوء المعاملة. في حين تسلم الكرامة أن المادة 36 من الدستور القطري تكفل الحق في عدم التعرض للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، لكن:
• يجب على القانون المحلي القطري أن يكرس المعايير اللازمة لتقييم مسؤولية الموظفين السامين عن أعمال التعذيب التي يرتكبها مرؤوسيهم ( منع إفلات المسؤولين من المساءلة أو التهرب من المسؤولية الجنائية عن أعمال التعذيب أو سوء المعاملة المرتكبة من جانب مرؤوسين).
• ينبغي توفير حماية خاصة ضد عمليات الانتقام أيا كان نوعها، لفائدة المرؤوسين الذين يرفضون تنفيذ الأوامر غير القانونية، كما ينبغي تمديد الحماية نفسها لتشمل كل من يبلغ عن انتهاكات اتفاقية مناهضة التعذيب إلى سلطات بلادهم.

الاحتجاز التعسفي وسوء ظروف الاعتقال وأحكام اتفاقية مناهضة التعذيب
لقد اعتمدت قطر أحكاما لضمان حماية المعتقلين من التعذيب وسوء المعاملة، منها توفير الضمانات القانونية للمحتجزين، مثل الحق في عدم الاعتقال دون مذكرة، وحق الاطلاع على أسباب الاعتقال وكذا التهم الموجهة إليهم وما إلى ذلك (المادة 39 من الدستور؛ المواد 40، 43، 112 و 113 من قانون الإجراءات الجنائية)، غير أن الكرامة لاحظت العديد من المسائل ذات الأهمية في المعلومات التي قدمتها قطر في إطار المتابعة للملاحظات الختامية للجنة:
• وثقت الكرامة قضية السيد المنصوري والسيد الباكر، اللذان تعرضا للاعتقال الانفرادي والتعذيب والمعاملات اللا إنسانية والمهينة.
• لم يتم تحديد مفهومي "الحبس أثناء التحقيق الأولي" و "عمليات الاحتجاز الاحتياطي" بشكل واضح كما أن دور النيابة العامة خلال كل مرحلة من المراحل يظل غير واضح.
• على الرغم من المواصفات المتعلقة بطول فترة الاحتجاز الاحتياطي، لا يطرح تقرير قطر أي حدود لمسألة تجديد مدة هذه الفترة (الفقرات 8 و 9).
• يمكن أن يؤدي تنفيذ الفقرة التي جاء فيها "يجب ألا يتجاوز الحبس الاحتياطي نصف فترة الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة" إلى تمديد فترة الاحتجاز الاحتياطي، مع التأثير الجسيم على حقوق المعتقل في حالة الاعتقال طويل الأجل مثل عقوبة السجن مدى الحياة.
يستخلص مما سلف في هذه الحالة أنه يمكن تجديد الاحتجاز الاحتياطي إلى أجل غير مسمى، وهو ما يتعارض مع حقوق المعتقلين، ويمكن أن يفضي إلى ممارسة التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز.

الإطار والممارسة في مجال مكافحة الإرهاب والوقاية منه
بعد موافقتها على قوانين "حماية المجتمع" و"مكافحة الإرهاب"، وبعد التوصل إلى اتفاقية مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب، قلصت قطر من حيز الضمانات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم يتعين على قطر الأخذ بعين الاعتبار أن أساليب الاستجواب المستخدمة أثناء عمليات مكافحة الإرهاب يجب أن تتم تحت رقابة صارمة، وأنه لا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية أيا كانت بما في ذلك تهديدات الإرهاب كمبرر لممارسة التعذيب، وبهذا الخصوص تود الكرامة الإشارة إلى أن المادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب تضمن مبدأ عدم جواز استخدام التصريحات المنتزعة تحت التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة في الإجراءات القضائية.

عمليات الطرد أو الإعادة أو تسليم الأشخاص
تعبر الكرامة عن عدم ارتياحها إزاء غياب أحكام قانونية تحظر صراحة عمليات الطرد أو الإعادة أو تسليم شخص إلى دولة أخرى، حيث توجد أسباب موضوعية للاعتقاد بأن هذا الشخص سيتعرض هناك للتعذيب (المادة 3 من الاتفاقية)، إلى جانب غياب إمكانيات فعالة لاستئناف الأحكام للأشخاص المحتمل تعرضهم لمثل هذه المعاملة. ورغم إعراب قطر أثناء استعراض تقريرها الأولي، عن نيتها دمج المادة 3 من الاتفاقية في القانون المحلي، إلا أنها لم تتخذ حتى الآن، أي خطوة للوفاء بهذا الالتزام.
• يمكن أن تشكل قضية السيد عوض محمد عوض الحايكي، نموذجا واضحا يبرز فشل التزام الدولة في حماية السلامة الجسدية لأي شخص خاضع لولايتها.
تثير قضية مجموعة الأفراد التي تم توثيقها ممن تشتبه السلطات المصرية بانتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين قلق الكرامة، ، والتي طالبت قطر بتسليمهم إليها، ، حتى وإن كانت السلطات القطرية قد أجلت حتى الآن، عملية تسليمهم، لكن لا يوجد ما يضمن عدم تسليمهم في المستقبل القريب.

هذه الحالات دليل على ضرورة اعتماد قطر لتشريعات محددة بهذا الصدد لتنفيذ المادة 3 من الاتفاقية ومنح الأفراد الذين يواجهون تهديد الطرد أو الإعادة أو التسليم، الحق في الإحالة الفعالة إلى سلطة قضائية.
طيلة أكثر من عقد من الزمان، أدخلت قطر إصلاحات مهمة في مجال حقوق الإنسان وبذلت جهودا مستمرة لتتماشى مع المعايير الدولية من خلال مراجعة تشريعاتها وضمان حماية أقوى لحقوق الإنسان، كما أن التشريع القطري يمنح مواطنيه الحقوق والحريات الأساسية؛ غير أن تنفيذ هذا التشريع ما زال ينتظره أشواط، يتطلب مزيد من الجهود لتحسين الأوضاع، ومن ثم تأمل الكرامة أن تسهم قائمة المسائلة المقدمة، في مساعدة قطر على تفعيل هذا التشريع.

لمزيد من المعلومات
 الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني
media@alkarama.org
أو الاتصال مباشرة على الرقم 0041227341007