العراق

 

قافلة عراقية لقوات مكافحة الإرهاب تتحرك نحو الموصل، العراق، 23 فبراير 2017 (المصدر: وزارة الدفاع الأمريكية، الرقيب أليكس مان / Wikimedia Commons)

انشغالاتنا

  • الممارسة الواسعة والمنهجية للاختفاء القسري من طرف موظفي الدولة والميليشيات التابعة لوحدات الحشد الشعبي؛
  • التعذيب المنهجي واستخدام الاعترافات القسرية في محاكمات غير عادلة أمام المحكمة الجنائية المركزية في العراق؛
  • الاستخدام المعيب لقانون مكافحة الإرهاب لتبرير القمع بجميع أشكاله.

في 9 ديسمبر/كانون الأول، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الانتصار العسكري على تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان قد سيطر على أجزاء كبيرة من العراق خلال الهجوم الذي شنه عام 2014. ووفقا لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا يزال هناك 3.2 مليون شخص نزحوا داخليا نتيجة للقتال بين تنظيم الدولة الإسلامية وقوات الحكومة المركزية أو الميليشيات التابعة لقوات الحشد الشعبي.

في تموز/يوليو 2017، بعد تسعة أشهر من الاقتتال العنيف، استطاعت القوات العراقية والميليشيات التابعة لها استعادة الموصل. دمرت المدينة خلال العملية وأصيب آلاف المدنيين أو جرحوا، واضطر 920 ألف شخص - أي حوالي نصف سكان المدينة - إلى الفرار من ديارهم. وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية خسر معظم الأراضي التي اكتسبتها، إلا أن الوضع الأمني ما زال غير مستقر في البلاد. وفي 15 سبتمبر/أيلول، أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم استهدف نقطة تفتيش ومطاعم بالقرب من الناصرية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصا.

وفي مجال العدالة والمصالحة، دعم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق الجهود الرامية إلى إنشاء إطار قانوني لإنشاء محكمة متخصصة لمحاكمة المشتبه في ارتكابهم لجرائم دولية منذ عام 2014. وليس واضحا ما إذا كانت ولاية المحكمة ستغطي الجرائم التي ارتكبتها القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها. وفي 21 آب/أغسطس، قام مجلس النواب العراقي بتعديل قانون العفو العام رقم 27 الذي ينص على أن الأشخاص المدانين في الفترة ما بين عامي 2003 و 2016 مؤهلين للحصول على عفو، باستثناء المدانين بأنواع معينة من الجرائم، منها أعمال إرهابية أدت إلى الوفاة أو العجز الدائم. واستبعدت أيضا الأفعال التي ارتكبت بعد 10 حزيران/يونيو 2014، وهو تاريخ استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل. كما نصت هذه التعديلات على حق المراجعة القضائية للمدانين بموجب قانون مكافحة الإرهاب.

وعلى المستوى الاتحادي، ظهرت في عام 2017 توترات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية بعد استفتاء على استقلال الأكراد في 25 سبتمبر/أيلول، صوت فيه أكثر من 92٪ لصالح الاستقلال. ومع ذلك، في 21 نوفمبر، رأت المحكمة العليا الاتحادية أن الاقتراع غير دستوري. وعلى الرغم من أن رئيس حكومة اقليم كردستان العراقي المستقل انتقد الحكم بانه "أحادي الجانب"، قال إنه لن يتحدى القرار. وفي هذا السياق، اندلع القتال بعد انتقال القوات المسلحة العراقية إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط، التي كانت خاضعة للسيطرة الكردية منذ عام 2014.

الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي يصدر قرارين بشأن العراق

في أبريل 2017، أصدر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي قرارين بشأن العراق، دعا في الأول إلى الإفراج الفوري عن 19 شخصا من العاملين مع نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي، وفي الثاني إلى إطلاق سراح عضو البرلمان أحمد العلواني.

وكان قد ألقي القبض بين نوفمبر 2011 ومارس 2012 على 19 موظفا من العاملين مع طارق الهاشمي، الذي اشتهر بانتقاده لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. فر الهاشمي من البلاد بعد اتهامه بالإرهاب، فألقت السلطات القبض على العاملين معه بما في ذلك سكرتيرته رشا الحسيني وأدانتهم جميعا.

نقل الضحايا جميعا إلى أماكن احتجاز سرية، حيث تعرضوا لأعمال تعذيب قاسية وأجبروا على تقديم اعترافات -بث بعضها على القناة التلفزيونية العمومية العراقية، في انتهاك لقرينة البراءة – وكانت تلك الاعترافات هي الأدلة الوحيدة أثناء الإجراءات القضائية.

وقضت المحكمة الجنائية المركزية، إثر محاكمات جائرة، بعقوبة الإعدام في حق جميع الأفراد الـ 19 بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005. لم يتم تزويد المتهمين بالوسائل الفعالة للدفاع عن أنفسهم، وواجه محاميوهم تهديدات من طرف قوات الأمن. وفي 24 يوليو 2017 قررت المحكمة الجنائية المركزية إسقاط جميع التهم الموجهة إلى رشا الحسيني، إلا أن الأشخاص 18 الآخرين لا يزالون محتجزين بشكل تعسفي على الرغم من مطالبة الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي بإطلاق سراحهم.

وشدد خبراء الأمم المتحدة على أن احتجاز الضحايا يشكل نوعا من التمييز لأنهم استهدفوا جميعا نظرا لقربهم من الهاشمي. وأوضحوا إنه "رغم أن العقاب الجماعي الرسمي أصبح أكثر ندرة، وصعوبة تمييز العقاب الجماعي تحت ستار العقاب الفردي بغطاء قانوني، إلا أنه يستحيل على الفريق العامل في حالة الأشخاص الـ 19 المزعوم ارتباطهم بالسيد الهاشمي ألا يخلص إلى أنهم تعرضوا لعدالة تمييزية رغم حيادها الظاهري ".

وفي قرار آخر، دعا الفريق إلى الإفراج عن أحمد العلواني عضو البرلمان والمعارضة. وكان قد اعتقل في كانون الأول/ديسمبر 2013، وتعرض للتعذيب وأكره على تقديم اعترافات كاذبة، وحكم عليه بالإعدام من قبل المحكمة الجنائية المركزية في العراق في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 بعد محاكمة معيبة.

واعتبر فريق خبراء الامم المتحدة أن اعتقاله "تعسفي" لأنه "تم استهدافه والتمييز ضده بسبب خلفيته السنية وآرائه وأنشطته السياسية". كما توصل خبراء الأمم المتحدة إلى أن "العلواني حرم من حصانته كعضو في البرلمان العراقي" في انتهاك للدستور العراقي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وأخيرا، أشار خبراء الأمم المتحدة إلى أنه "لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالا لأي تفسير بديل للوقائع"، "وهو ما لا ينطبق على محاكمة وإدانة السيد العلواني".

االانتهاكات المرتكبة في سياق مكافحة الإرهاب

وفي عام 2017، ظهرت تقارير عديدة عن عمليات القتل بإجراءات موجزة وحالات الاختفاء القسري والتعذيب أثناء العمليات العسكرية. وعلى وجه الخصوص، تعرض المدنيون الفارين من مناطق القتال لهجمات انتقامية من قوات الأمن العراقية والميليشيات التابعة لها.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قامت أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، بزيارة رسمية للبلاد. وتوصلت خلال ذلك ببلاغات عن عمليات قتل تعسفي واختفاء قسري ارتكبتها قوات الأمن، بما في ذلك وحدات الحشد الشعبي ولا تقتصر هذه العمليات على إعدام المقاتلين في ظروف مشبوهة فحسب، بل تشمل أيضا قتل المدنيين واختفائهم. كما أثارت كالامارد مسألة القصف غير المتناسبة والعشوائية التي تقوم بها قوات التحالف والتي أسفرت عن مقتل مئات المدنيين.

وعلاوة على ذلك، واصلت السلطات العراقية اللجوء على نطاق واسع إلى قانون مكافحة الإرهاب المعيب لعام 2005، الذي يتضمن تعريفا واسعا للإرهاب، ويقضي بعقوبة الإعدام على من أدينوا بارتكاب أعمال من هذا القبيل أو التهديد بارتكابها. ونتيجة لذلك، تنفذ معظم عمليات الإعدام استنادا إلى هذا التشريع، وتصدر أحكام الإعدام بشكل روتيني عن المحكمة الجنائية المركزية العراقية بعد محاكمات غير عادلة.

وفي 25 سبتمبر/أيلول، أعدم 42 شخصا بتهم "إرهابية"، وأعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان عن "شكه العميق" في أن تكون تلك الأحكام قد احترمت في كل الحالات الإجراءات القانونية اللازمة وضمانات المحاكمة العادلة، مثل حق المتهمين في الحصول على المساعدة القانونية أو حقهم الكامل في إجراءات الطعن.

ويتجلى هذا التعسف في قضية صالح الدليمي، أستاذ الهندسة في جامعة الأنبار البالغ من العمر 47 عاما، الذي قضت المحكمة الجنائية المركزية العراقية في مايو/أيار 2016 بإعدامه بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلحة" بعد محاكمة جائرة. وكانت الأدلة الوحيدة التي استخدمت ضده هي الوثائق التي أجبر على التوقيع عليها تحت التعذيب، و"أدلة سرية" يزعم أن المخابرات الأمريكية قامت بتقديمها. وفي 27 أبريل/نيسان، قرر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة أن احتجازه تعسفي وطلب من السلطات العراقية الإفراج عنه فورا، غير أن السلطات العراقية لم تنفذ القرار ولا يزال محتجزا حتى الآن.

الممارسة الواسعة والمنهجية للاختفاء القسري

بين عامي 2014 و 2017، قدمت الكرامة، مع شريكها المحلي جمعية الوسام الإنسانية، أكثر من مائة حالة اختفاء قسري حديثة إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري، لا زالت تنتظر توضيحها من قبل السلطات. و لا تشكل هذه الحالات إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد في بلد يمارس فيه الاختفاء القسري بشكل منهجي وعلى نطاق واسع، وتمثل فيه نسبة المختفين الأعلى على المستوى العالمي. بدأت هذه الظاهرة في عهد صدام حسين، واستمرت في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003، واستفحلت في سياق الحرب ضد داعش.

وتتبع حالات الاختفاء القسري نفس النمط: يتم القبض على الضحايا عادة من قبل قوات الأمن أثناء مداهمة المنازل أو عند نقاط التفتيش قبل نقلهم إلى أماكن احتجاز سرية ومنعهم من التواصل مع العالم الخارجي. ويترك أقاربهم دون أي خبر عن مصيرهم ومكان وجودهم، لأن السلطات ترفض بشكل منتظم إعطاء أية معلومات عنهم. فعلى سبيل المثال، اعتقل رجال الميليشيات جلال الشحماني، الذي اشتهر بمشاركته في تنظيم الاحتجاجات ضد الفساد التي شهدتها البلاد صيف 2015 ، ثم اختفى بعد ذلك في أيلول/سبتمبر 2015. ووفقا لشاهد عيان، فإن إحدى مليشيات الحشد الشعبي هي من قامت بالقبض عليه. ومنذ ذلك الحين لم يتوصل أقاربه بأية معلومات رسمية عنه.

وبالإضافة إلى حالات الاختفاء القسري التي تمارسها أجهزة الأمن العراقية، لا يزال العديد من الأشخاص في عداد المختفين منذ اختطافهم من قبل القوات الأمريكية بعد غزو البلاد عام 2003. على سبيل المثال، أحالت الكرامة وجمعية الوسام إلى الفريق العامل التابع للأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي قضية سائق سيارة أجرة اختفى في 2008 بعد أن اعتقلته القوات الأمريكية بالإضافة إلى أربع حالات اختفاء أخرى ارتكبتها نفس القوات وسجلها الفريق العامل في عام 2017. وتعتبر تلك الحالات الأولى من نوعها التي يتم رفعها إلى آليات حقوق الإنسان بالأمم للأمم المتحدة؛ في انتظار تقديم السلطات الأمريكية معلومات عن مصير الضحايا ومكان وجودهم.

تهديد حرية التعبير والتجمع السلمي

عقب الاحتجاجات الشعبية، قرر البرلمان العراقي في 13 مايو/أيار تأجيل التصويت، إلى أجل غير مسمى، على مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي المعيب. وتعرض النص الذي جرى تقديمه إلى البرلمان في تموز/يوليه 2016 إلى انتقادات شديدة من منظمات المجتمع المدني التي اقترحت قائمة بالتعديلات لمعالجة أوجه القصور في النص المذكور. وعلى الرغم من أن اللجان البرلمانية أخذت بعين الاعتبار بعض اهتمامات المنظمات غير الحكومية، إلا أن مشروع القانون لا يزال يتضمن أحكاما تنطوي على إشكاليات. فعلى سبيل المثال، يمكن حظر المظاهرات إذا اعتبرت أنها تشكل "تهديدا للأمن القومي أو النظام العام والآداب العامة ."  ويمكن للسلطات أن تستند إلى هذا الحكم لقمع انتقادات الحكومة وسياساتها .

ولا يزال الصحفيون والإعلاميون في الآن نفسه يعانون من تدخل سافر في ممارسة مهنتهم، مما ينتهك حقهم في حرية الرأي والتعبير. وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، اعتقل سمير الدعمي، وهو محلل سياسي عراقي نرويجي، بعد نشره على صفحته في فيسبوك انتقاداً لرئيس الوزراء العراقي. وكتب الدعمي أن العبادي يستخدم الجيش العراقي والقوات الأمنية لاستعادة كركوك وتمكين الشركات النفطية البريطانية التي ساعدته كي يصبح رئيسا للوزراء - مثل شركة بريتش بتروليوم - من السيطرة على حقول النفط في كركوك. أحيل الدعمي على المدعي العام للمحكمة الجنائية المركزية العراقية في بغداد الذي وجه له تهمة "بث معلومات أو بيانات أو شائعات كاذبة أو متحيزة" بموجب المادة 210 من قانون العقوبات. وفي 12 ديسمبر 2017 أفرج عن الدعمي وأسقطت جميع التهم الموجهة إليه .