سوريا

 

المركز الدولي للأعمال المتعلقة بالألغام في سوريا (حلب)، 23 ديسمبر (المصدر: وزارة الدفاع في الفدرالية الروسية / Wikimedia Commons)

انشغالاتنا

  • الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي والآثار الكارثية للنزاع المسلح، لا سيما على السكان المدنيين؛
  • ممارسة الاختفاء القسري المنهجية والواسعة الانتشار؛
  • إفلات مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من العقاب.

دخل النزاع السوري عامه السابع في آذار/مارس، ولا زال المدنيون هم الضحايا الرئيسيون للانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 465.000 شخص قد قتلوا أو فقدوا في سوريا منذ عام 2011. وعلاوة على ذلك، ووفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، هرب أكثر من خمسة ملايين شخص من البلاد منذ بداية الأعمال العدائية، سعيا للحصول على الأمان في لبنان وتركيا والأردن ودول أخرى، في حين أن ما يزيد عن ستة ملايين شخص شردوا داخليا. وإجمالا، نزح ما يناهز نصف سكان سوريا.

واصلت جميع أطراف النزاع في هذا العام، استهدافها العشوائي للمدنيين، بما في ذلك عن طريق استخدام الأسلحة الكيميائية. وفي 4 نيسان/أبريل، قتل ما يقرب من مائة شخص بسبب هجوم قامت به القوات الجوية السورية في مدينة خان شيخون التي تسيطر عليها المعارضة. وأكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) في وقت لاحق أن الضحايا تعرضوا لغاز السارين. وبعد أيام قليلة من الهجوم قصفت الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة جوية مدعية أن الهجوم بالأسلحة الكيماوية قد نفّذ منها. واعترضت روسيا بشكل منهجي طيلة عام 2017، على محاولات مجلس الأمن الدولي لاعتماد قرارات إما لفرض عقوبات على الحكومة السورية لاستخدامها للأسلحة الكيميائية أو لتوسيع نطاق التحقيقات التي أجرتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وفي أعقاب المحادثات التي أجريت في أستانا بكازاخستان في سبتمبر/أيلول 2017، وقعت روسيا وتركيا وإيران اتفاقا على إقامة أربع مناطق آمنة "لخفض التصعيد" تهدف إلى وقف الأعمال القتالية بين القوات الحكومية وجماعات المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية ضواحي دمشق، وكذلك بعض أجزاء من محافظات إدلب وحمص واللاذقية وحلب وحماة. وعلى الرغم من هذا الاتفاق، رفضت الحكومة السورية رفع الحصار المتواصل منذ خمس سنوات على الغوطة الشرقية، مما أدى إلى كارثة إنسانية لـ 400,000 مدني، يمثلون قرابة 95٪ من مجموع السكان المحاصرين في البلاد محرومين من الوصول إلى الغذاء والرعاية الطبية. في تشرين الثاني/نوفمبر، تصاعدت الأعمال العسكرية للحكومة السورية والقوات الروسية التي قامت بعمليات قصف وضربات جوية مكثفة.

وعلى الجانب الشرقي من البلاد، طردت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف يغلب عليها الطابع الكردي وتدعمه الولايات المتحدة، تنظيم الدولة الإسلامية من معاقلها في الرقة. وأسفر الهجوم عن وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين الذين منعهم تنظيم داعش من الفرار من المنطقة. وفي آب/أغسطس وحده، قتل أكثر من مائة شخص نتيجة الغارات الجوية والهجمات الأرضية.

وعلى الرغم من المحاولات العديدة طيلة السنة للتوصل لحل سياسي، ظلّت عملية السلام راكدة. وفي كانون الأول/ديسمبر، انتهت الجولة الثامنة من محادثات السلام بين النظام السوري والمعارضة في جنيف. وركّزت المحادثات على إدارة الحكم، المسار والجدول الزمني لعملية صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات، كلها كأساس لعملية سورية يقودها السوريون لإنهاء الصراع تمشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015. بيد أن وسيط الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وصف ذلك على أنه "فرصة مهدورة" حيث لم تجر مفاوضات حقيقية.

حرية التعبير؛ إعدام الناشط باسل خرطبيل بعد اختفائه منذ 2015

في 1 أغسطس/آب أكدت نورا غازي الصفدي، زوجة باسل خرطبيل صفدي، في بيان لها أن زوجها، البالغ حينها 34 عاما، قد أُعدم سرا بعد اختفائه من سجن عدرا في تشرين الأول/أكتوبر 2015.

شارك باسل خرطبيل الفلسطيني المولد في تأسيس موقع أيكي، وهو فضاء تقني للشباب أو"معمل قرصنة"، بدأ العمل به إبان إندلاع الاحتجاجات الجماهيرية ضد نظام بشار الأسد في العام 2011. كما كان داعماً كبيراً لاستخدام التكنولوجيا في تعزيز الإنترنت المفتوح والمجاني من خلال بناء المعرفة لمحو الأمية الرقمية والانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي والأدوات المفتوحة المصدر في جميع أنحاء العالم العربي. واعترافا بعمله، اختارته مجلة "فورين بوليسي" ضمن أفضل 100 مفكر عالمي لعام 2012، كما حصل على جائزة مؤشر الرقابة للحرية الرقمية لعام 2013".

اعتقل أفراد المخابرات العسكرية باسل في 15 مارس/آذار 2012، بينما كان يغادر مقر عمله في حي المزة في دمشق، ثم نقلوه إلى مكان مجهول. بعد تسعة أشهر من الاحتجاز في السر، اتهمه المدعي العام العسكري بـ "التجسس لصالح دولة معادية" بموجب المادتين 272 و 274 من القانون الجنائي السوري، وأحال القضية إلى محكمة عسكرية. و في أبريل/نيسان 2015، وبناء على طلب من الكرامة، تبنى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي قرارا اعتبر احتجازه "تعسفيا" ودعا إلى الإفراج عنه فورا. لكن السلطات السورية لم تنفذ توصيات الأمم المتحدة، وظل خرطبيل محتجزا في سجن عدرا.

في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وبينما كان ينتظر محاكمته، نقل خرطبيل من سجن عدرا، واختفى اسمه من السجلات الرسمية. وطلبت الكرامة، خوفا على سلامته، التدخل العاجل لفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري، الذي دعا بدوره السلطات السورية إلى الكشف عن مكان وجوده، لكنها لم تستجب أبدا لهذا النداء.

وعلى الرغم من الضغوط الدولية، لا سيما من خلال حملة #FreeBassel، أعدمت السلطات السورية خرطبيل بعد فترة وجيزة من نقله من سجن عدرا. وحتى الآن لم تؤكد السلطات السورية وفاته ولم تعد جثمانه أوتقدم شهادة وفاة لأسرته.

الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي

وفي عام 2017، ظل القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ينتهك بشكل صارخ في سوريا. وفي تقريرها الأخير الذي نشر في 6 سبتمبر/أيلول، خلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة إلى أن جميع أطراف النزاع "تواصل ارتكاب جرائم لا يمكن تصورها ضد المدنيين في ميدان المعركة وخارجه في انتهاك صارخ للقانون الدولي، بما في ذلك الإكراه على النزوح والهجمات المتعمدة ضد المدنيين، واستخدام الأسلحة الكيماوية ".

وفي الواقع، قامت القوات الحكومية بعمليات عسكرية غير متناسبة وعشوائية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. حيث شنت هجمات عشوائية في مناطق مكتظة بالسكان، لا سيما من خلال استخدام أسلحة غير مشروعة مثل البراميل المتفجرة والذخائر العنقودية والأسلحة الكيميائية، ما تسبب بوفاة آلاف الأشخاص.

وفي 4 أبريل/نيسان، قتل أكثر من 90 شخصا، من بينهم أطفال، جراء غاز السارين أثناء غارة جوية شنتها القوات السورية على خان شيخون في محافظة إدلب. وقد اتصل أقارب 12 من هؤلاء الأفراد بالكرامة ومنظمة حماة حقوق الإنسان، اللتين قدمتا بدورهما قضيتهم إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا وإلى لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، تناول تقرير اللجنة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الجماعات المسلحة غير الحكومية المتورطة في العنف الطائفي.

اتُّهمت القوات الجوية الروسية والأمريكية بعدم اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين والأهداف المدنية عند مهاجمتها للجماعات المسلحة. وخلفت الضربات الجوية الروسية على وجه الخصوص آلاف القتلى في صفوف المدنيين؛ وقد تشكل مثل هذه الهجمات العشوائية التي تنفذها مختلف أطراف النزاع الدولية على السكان المدنيين جرائم حرب. وأخيرا، استنكرت اللجنة اتفاقات الإجلاء التي نتج عنها التشريد القسري للسكان المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية. وأدى عدد من الهدنات المحلية بين القوات الموالية للحكومة والجماعات المسلحة، بما في ذلك ما أطلق عليه "اتفاق المدن الأربعة"، إلى التشريد القسري لآلاف المدنيين. ويمكن اعتبار تلك الممارسة جريمة حرب، حيث ينص القانون الإنساني الدولي على أنه لا يجوز لأطراف النزاع المسلح غير الدولي أن تأمر بتهجير السكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع.

لم تتعاون السلطات السورية منذ عام 2011 مطلقا مع اللجنة. وفي 16 مارس/آذار، عندما اعتمد مجلس حقوق الإنسان نتائج الاستعراض الدوري الشامل في سوريا، رفضت السلطات بوضوح العدد الكبير من التوصيات التي تدعو إلى التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة.

الاختفاء القسري كسلاح حربي

تنتشر ممارسة الاختفاء القسري على نطاق واسع في سوريا، وترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية. وتستخدم كأداة لترهيب السكان طالت عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من جميع الخلفيات. أعربت السلطات السورية عقب اعتماد مجلس حقوق الإنسان نتائج الاستعراض الدوري الشامل في سوريا في 16 مارس/آذار، عن "استعدادها" للتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، لكنها رفضت جميع التوصيات الرامية إلى وقف هذه الممارسة على اعتبار أن "لا أساس لها من الصحة". حتى أنها زعمت أن أماكن احتجاز المعتقلين لديها قانونية وتدأب دائماً على الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم.

وفي عام 2017، قدمت الكرامة، إلى جانب منظمات من المجتمع المدني بما في ذلك حماة حقوق الإنسان و أورنمو للعدالة وحقوق الإنسان، حالات اختفاء قسري عديدة إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. واعتبارا من أيار/مايو 2017، كانت حالات 218 ضحية ممن يتوجب على السلطات توضيح مصيرها لا تزال عالقة أمام الجمعية. لكن هذا ليس سوى غيض من فيض عشرات الآلاف من حالات الاختفاء القسري في البلاد.

من بين حالات الاختفاء القسري تلك، نذكر حالات ربا بكار وطفليها؛ أحمد البالغ من العمر 11 عاما، ومرام البالغة من العمر 9 سنوات. ففي تموز/يوليو 2013، خرج الثلاثة من حمص، حيث كانوا يعيشون في مخيم للنازحين، متوجهين إلى منطقة جيرود التي تسيطر عليها المعارضة لزيارة زوجها ووالد أطفالها بمناسبة شهر رمضان. وتوقف السائق عند نقطة تفتيش، واتصل بزوج ربا ليخبره بأن زوجته وأطفاله وصلوا إلى وجهتهم. وخوفا من أن يكون ذلك فخا، طلب التحدث إلى زوجته مباشرة، ولكن عندما سلم السائق الهاتف إلى زوجته، رفضت التحدث معه من أجل حمايته، مما أكد له اعتقالها بمعية أطفالها من قبل القوات الحكومية، كما اختفى السائق في ذلك اليوم.

ومنذ ذلك الحين لم يتمكن السيد بكار من التواصل مع زوجته وأطفاله. وعلم أن زوجته احتجزت في فرع التحقيق التابع للمخابرات العسكرية. وتقدمت أم السيدة بكار بشكوى إلى الشرطة العسكرية في القابون في يونيو/حزيران 2014، وطلب منها الضباط العودة كل شهر، الأمر الذي دأبت على القيام به إلى أن منعتها صحتها العليلة من القيام بالرحلة. ورغم محاولاتها المتكررة، لم تزود قط بأية معلومات تتعلق بمصير ابنتها وأحفادها.

يستخدم الاختفاء القسري أيضا كإجراء انتقامي ضد المنشقين، كما هو الحال بالنسبة لجميل النمر، رئيس المخابرات العامة السابق في محافظة إدلب، الذي اعتقل في يونيو/حزيران 2011 بسبب عصيان أوامر إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين. بعد أسبوع من انشقاقه اتهم الجيش والمخابرات العسكرية جميل بـ "الخيانة" ونقلوه إلى سجن صيدنايا العسكري. وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، زارته زوجته في السجن، ولكن عندما عادت في وقت لاحق، قيل لها إن زوجها لم يعد محتجزا هناك وامتنعوا عن تقديم أية معلومات عن مصيره ومكان وجوده.