ليبيا

 

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، 19 أكتوبر 2015 (المصدر: وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث/ Wikimedia Commons)

انشغالاتنا

  • الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، لاسيّما عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز السري ضد المدنيين؛
  • غياب الرقابة القضائية على الميليشيات في جميع أنحاء البلاد مما أدى إلى انعدام سيادة القانون؛
  • انعدام التحقيقات في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وملاحقة الجناة

شهدت سنة 2017 الذكرى السنوية السادسة للثورة في ليبيا، ولاتزال البلاد تعيش على وقع صراعات الحكومات المتنافسة والميليشيات المتعددة من أجل تولي السلطة السياسية والاقتصادية. ويشكل الشرخ العميق داخل المجتمع الليبي بين الفاعلين السياسيين عائقا أمام بناء دولة موحدة وعملية سلام فعالة. وفي تواصل الآن نفسه القوى الأجنبية تدخلها العسكري في الصراع، ما يعزز الخصومات القائمة في البلد.

تواصلت جولات الحوار طيلة العام بين مختلف المكونات، لا سيما بين الأطراف المتنازعة، لكن الفشل كان هو حليفها الدائم ولم تتوصل القوى السياسية المتنافسة إلى أي اتفاق. ولا تزال حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة غير معترف بها من قبل حكومة طبرق المتواجدة شرقي البلاد.

بعد محادثات عقدت في باريس، جرى اتفاق في26 يوليو/تموز 2017، بين رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج والجنرال خليفة حفتر، الذي يسيطر على معظم الميليشيات في شرق البلاد، تم الاتفاق على وقف لإطلاق في مجموع التراب الليبي وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. وقبيل الانتخابات، قامت هيئة صياغة الدستور الليبي- في مدينة البيضاء شرق البلاد- بتحرير مسودة دستور جديد دون مشاورات عامة أو نقاش حول نص الدستور. ورغم إقرار أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور للنسخة النهائية من الدستور الجديد، ألغت محكمة البيضاء القرار في وقت لاحق بحجة وجود بعض المخالفات الإجرائية، وتعيش ليبيا إلى اليوم دون أي إطار دستوري. وفي أعقاب أول زيارة رسمية له، أعلن غسان سلامة، المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أن ليبيا غير مستعدة بعد لإجراء الانتخابات.

وعلاوة على ذلك، فإن حالة حقوق الإنسان والوضع الإنساني المتردي في البلاد في تفاقم متزايد. وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريري نيسان/أبريل وأيلول/سبتمبر2017 لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن الحالة الأمنية العامة في البلاد تدهورت إلى درجة كبيرة. وأدى العنف المنتشر في مناطق جنوب ليبيا إلى نقص الخدمات الأساسية والمؤونة فضلا عن تشريد القاطنين هناك، في حين أن انعدام سيادة القانون في البلاد يعرض المدنيين لخطر الجماعات المسلحة والشبكات الإجرامية.

وأخيراً، وبما أن ليبيا اليوم تعدّ بوابة الانتقال الرئيسية للأفارقة المهاجرين إلى أوروبا، فإن الوضع الحالي يجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات من ذي قبل. ففي العام 2017، كانت ليبيا محط انتقادات كثيرة بسبب المعاملة اللاإنسانية التي تلقاها المهاجرون الأفارقة المحتجزون على أراضيها. وفي نيسان/أبريل 2017، وثقت المنظمة الدولية للهجرة، من خلال شهادات جمعتها من المهاجرين العائدين من ليبيا، حالات عمل إجباري بتواطؤ مع شبكات الاتجار في البشر. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، خلال جلسة طارئة بشأن الاتجار في البشر في ليبيا، أدان مجلس الأمن بشدة تلك الممارسات وحث السلطات على اتخاذ تدابير لوضع حد لها.

الاعتقالات التعسفية والسرية في قاعدة معيتيقة العسكرية

تلقت الكرامة طيلة عام 2017 معلومات موثوقة تؤكد استخدام قاعدة معيتيقة العسكرية كمرفق احتجاز سري. وتعدّ القاعدة الجوية أحد أكبر مراكز الاعتقال في طرابلس، وتخضع لسيطرة قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني. وأكدت أسر الضحايا المختطفين، الذين رفعت الكرامة قضاياهم إلى الفريق العامل المعني بحالات الإختفاء القسري أو غير الطوعي، وإلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ارتكاب مثل تلك الانتهاكات على أيدي قوات الردع والميليشيات التابعة لها.

وأظهرت شهادات الأسر أن عمليات القبض نفذها مسلحون تابعون لقوات الردع الخاصة، وكانوا بعد ذلك ينقلون المعتقلين إلى قاعدة معيتيقة الجوية حيث يتم احتجازهم في السرً. كما أبلغت أيضاً عن تعرض المعتقلين لظروف احتجاز قاسية وللتعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الرعاية الطبية. ويصعب معرفة عدد المحتجزين في قاعدة المعيتيقة الجوية بسبب انعدام الرقابة القضائية وتدوين أسماء المعتقلين، بيد أن مصادر الكرامة تتحدث عن وجود أكثر من 2000 معتقل، بينهم أطفال، محتجزون في ظروف مروعة. ناهيك عن إعدام ما لا يقل عن 20 شخصا في السر.

ذكر الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المؤرخ في آب/أغسطس 2017 إلى مجلس الأمن، أنه على الرغم من إتاحة الفرصة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لزيارة العديد من مرافق الاحتجاز في البلاد – دون السماح لها بالتحدث مع المحتجزين- لم تتمكن بعثة الأمم المتحدة من زيارة مركز احتجاز معيتيقة في طرابلس رغم إلحاحها في الطلب. كما أعرب عن قلقه إزاء مايتردد عن ممارسات التعذيب والعنف الجنسي والجنساني وسوء ظروف الاعتقال والإهمال الطبي والحرمان من الزيارات الأسرية للمحتجزين.

الانتهاكات الجسيمة والمستمرة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان

أدى ضعف السلطات المختلفة وفشلها في الحفاظ على الأمن ودعم الحقوق والحريات الأساسية على خلق أرض خصبة للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. وبالإضافة إلى الانتهاكات التي يرتكبها جميع أطراف النزاع، صارت الجرائم العادية متأصلة بسبب عدم وجود مؤسسات قضائية قوية تقف بوجه الانتهاكات وتعاقب الجناة.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره إلى مجلس الأمن في آب/أغسطس 2017 عن قلقه الشديد إزاء انتهاك الحق في الحياة. حيث أشارت أرقام الأمم المتحدة إلى وقوع 192 إصابة في صفوف المدنيين في الفترة ما بين كانون الأول/ديسمبر 2016 وتموز/يوليه 2017، من بينهم 90 قتيلاً و102 جريحا بسبب إطلاق النار المباشر، أو الضربات الجوية أو مخلفات الحرب من المتفجرات أو العبوات الناسفة.

كما سلّط الضوء على ممارسة الاحتجاز التعسفي المنتشرة في أنحاء البلاد، سواء في السجون الرسمية أو مراكز الاحتجاز التابعة للجماعات المسلحة. وأشار إلى إحراز تقدم ضئيل لضمان عدم احتجاز الأفراد خارج نطاق القانون ومتابعة الجناة أمام السلطة القضائية. وأضاف إلى أن المسلحين من جميع أطراف النزاع ارتكبوا العديد من الانتهاكات حتى ضد المدنيين؛ كأخذ الرهائن والقتل غير المشروع والتعذيب والاختفاء القسري. وتلقت الكرامة عدة شهادات تشير إلى استهداف المدنيين على أساس الهوية العائلية أو القبلية، فضلا عن الانتماءات السياسية أو الأفكار والمعتقدات.

وتوضح الحالات التي وثقتها الكرامة في عام 2017 العديد من تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان، لاسيّما من قبل قوات الردع الخاصة والميليشيات التابعة لها الموالية لحكومة الوفاق. ورغم أن قوات الردع تتبع رسمياً لسلطة حكومة الوفاق، إلا أن الأخيرة تكاد لا تمارس عليها أية رقابة على الإطلاق. لذلك فإن الانتهاكات العديدة، كالاختطاف والاحتجاز السري والتعذيب، تحصل في بيئة من الإفلات التام من العقاب.

فعلى سبيل المثال، اختطف أفراد من شرطة التدخل المشترك محور أبو سليم، التابع لحكومة الوفاق، في 30 مايو/أيار 2017، طارق ميلاد محمد، المدافع عن حقوق الإنسان والنائب السابق لوزير الأوقاف في الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها. كما أن قضية محمد رجيلي غومة عبد الرحمن، الدكتور في مجال تكنولوجيا المعلومات محمد الرجيلي غومة عبد الرحمن، وكيل وزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين سابقاً، اتبعت نفس المنوال. فقد اختطف عبد الرحمن في 25 أبريل/نيسان 2017 على يد عناصر من ميليشيا "كتيبة النصر" التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق. ووثقت الكرامة أيضا قضية عبد الرزاق مفتاح علي مشيرب، إمام مسجد بن نابي، الذي اختطفته قوات الردع من أمام منزله في العاصمة طرابلس في 10 سبتمبر/أيلول 2017، ثم أطلق سراحه في أوائل ديسمبر/كانون الأول. ولم تقم حكومة الوفاق الوطني حتى الآن بالرد على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي وتوضيح ملابساتها.

غياب مساءلة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان

لا شك أن غياب سيادة القانون وعجز السلطات المدعومة من الأمم المتحدة وغيرها عن إنفاذ القانون يساهم مباشرة في انعدام المساءلة وملاحقة مرتكبي الانتهاكات. إن تعدد المؤسسات الأمنية والسياسية الموازية المدعومة من الميليشيات والتي تتنقل بولاءاتها بين مختلف السلطات السياسية، يجعل من الصعب تحديد هوية مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان ومقاضاة مرتكبيها ورؤسائهم. وقد أدى غياب السلطة القضائية المستقلة والفعالة داخل كل سلطة سياسية، إلى جانب عجزهم عن السيطرة بفعالية على الميليشيات، إلى انعدام مساءلة مرتكبي الانتهاكات.

وفي تقريره الصادر في نيسان/أبريل 2017، ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنه "يشعر بقلق بالغ" لعدم إحراز تقدم في تحقيق المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ومن الأمثلة البارزة على غياب المساءلة هو ما اكتشفته قوات الشرطة الحكومية الشرقية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2017 لجثث 36 من ضحايا الإعدام خارج نطاق القضاء في بلدة الأبيار الواقعة تحت سيطرة الميليشيات التابعة للجنرال خليفة حفتر. وعلى الرغم من أن الأخيرة تعهدت بالتحقيق في عمليات القتل، لم تتخذ حتى الآن أية خطوات لتحقيق هذه الغاية.

تفشي بيئة الإفلات من العقاب تبعث على مزيد من القلق بالنظر إلى أن الجرائم المرتكبة قد ترقى إلى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. ومنذ أن أحال مجلس الأمن وضع ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2011، أصبحت تلك الجرائم من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. لكن حتى الآن، لم يُحل أي مشتبه أمام المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من إصدارها عدة مذكرات اعتقال. وفي الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، خاطبت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا مجلس الأمن بشأن مذكرتي توقيف أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق مواطنين ليبيين متورطين في جرائم تندرج ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وأثارت بعض الصعوبات التي تعيق ضمان مساءلة الجناة. وعزا ممثل ليبيا التأخير في التحقيقات والملاحقات القضائية للجناة وعجز السلطات عن اعتقال المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية إلى تردي الحالة الأمنية في البلاد.