للمتابعة

 

توصياتنا

  • ضمان امتثال جميع أطراف النزاع لمبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وضمان حماية المدنيين والأعيان المدنية؛
  • فتح تحقيقات مستقلة ومحايدة في الجرائم المرتكبة من قبل جميع أطراف النزاع؛
  • ملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ووضع حد للإفلات من العقاب؛
  • تنفيذ توصيات مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

انشغالاتنا

  • استمرار انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، لا سيما ممارسة الإعدام بإجراءات موجزة والخطف والتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز السري، إضافة إلى الهجمات العشوائية ضد المدنيين، والتي يرقى بعضها إلى حد جرائم الحرب؛
  • غياب سيادة القانون؛
  • غياب محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الذين يتمادون بممارساتهم في ظل إفلات تام من العقاب.

مضت ست سنوات على اندلاع الثورة، ولاتزال ليبيا تتخبط في صراع معقد ومتعدد الأوجه بين الحكومات والميليشيات المتنافسة على السلطة السياسية والموارد الوطنية. وتشكل الانقسامات داخل المجتمع الليبي والواقع السياسي غير المستقر عوائق تحول دون إحلال السلام وبناء الدولة، فضلا عن التدخلات الخارجية في النزاع وتأجيج التناقضات القائمة.
تبنّت الأمم المتحدة، في 17 ديسمبر 2015، اتفاق سلام في ليبيا عُرف باتفاق الصخيرات، نسبة لمكان انعقاده في مدينة الصخيرات المغربية، ونصّ على تشكيل حكومة وفاق وطني اختار تشكيلتها المجلس الرئاسي الليبي المنبثق عن الاتفاق. بيد أن الاتفاق لم يفلح في حل الأزمة السياسية في البلاد، حيث رفضت كل من حكومة طرابلس التي تسيطر على غرب البلاد، وحكومة برلمان طبرق في شرق البلاد، رفضتا الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني. فما إن رأت حكومة الوفاق الوطني النور يوم 19 يناير 2016، حتى واجهت معارضة شرسة من كلتي الحكومتين المتنافستين على السلطة، اللتين لم تجدا فيها تمثيلاً متكافئاً لجميع الفصائل الليبية بل «فُرضت من الخارج». لم تستطع حكومة الوفاق الوطني القابعة في تونس، فرض وجودها في طرابلس قبل منتصف شهر مارس 2016، عندما وصلت إلى القاعدة البحرية، بعد أن أغلق المعارضون لتشكيلها المجال الجوي أمامها كي لا تصل عبر المطار، وحذروا أعضائها من دخول العاصمة. وهكذا، أنشأت الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة مقرها في القاعدة البحرية بطرابلس في ظل حراسة مشدّدة.
يواجه المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، تحديات كثيرة، في ظل غياب رقابة فعالة على ميليشياته والصعوبات التي تقف حائلاً دون التوافق بين أصحاب المصلحة من أجل تحقيق الوحدة والاستقرار في البلاد. من ناحية أخرى، رفض برلمان طبرق منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني في مناسبتين، من خلال التصويت للمرة الأولى في 25 يناير 2016، وثانية في 22 أغسطس 2016. كما رفض تشكيلة الحكومة وطالب بأخرى جديدة إضافة إلى إلغاء المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات المتعلقة بالمناصب السيادية. وفي سبتمبر سيطرت الميليشيات التابعة للجنرال خليفة حفتر والمتحالفة مع حكومة طبرق بالقوة على جميع الموانئ الرئيسية المصدرة للنفط والتي كانت بيد حكومة الوفاق قبيل ذلك. وبالموازاة مع ذلك، أعلن خليفة الغويل، رئيس حكومة طرابلس، مطلع أبريل 2016، أنه يرفض التخلي عن رئاسة حكومة الإنقاذ الوطني لصالح حكومة الوفاق. وفي منتصف أكتوبر، إستولى على المكاتب الإدارية الرئيسية في العاصمة التابعة لحكومة الوفاق، وأعلن إعادة إنشاء حكومته، قبل أن يدعو حكومة طبرق المنافسة له لإبرام اتفاق ضد حكومة الوفاق الوطني.
كما واصلت التدخلات العسكرية الخارجية تأجيج الفوضى والعداوة في البلاد. ففي يوليو 2016، وعلى إثر مقتل ثلاثة من ضباط المخابرات الفرنسية بالقرب من بنغازي، أكّد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تعاون بلاده العسكري لدعم الجنرال حفتر، الذي تحارب ميليشياته العسكرية كلا من حكومة الغويل وحكومة الوفاق الوطني، وأعقب ذلك احتجاجات كبيرة في طرابلس ضد التدخلات الخارجية. أدانت حكومة الوفاق رسمياً التدخل الفرنسي، معتبرة ذلك خرقاً لسيادة ليبيا، فضلاً عن وصفه عاملاً مساهماً في زعزعة الاستقرار في البلاد. وفي نوفمبر 2016، أذاعت وسائل الإعلام الليبية تسجيلات صوتية تقترح التعاون المباشر بين القوات الامريكية، العاملة تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، وقوات حفتر للقضاء على المتمردين شرقي البلاد.
وفي خضمّ الأزمة، استغلّ تنظيم الدولة الإسلامية حالة الفوضى التي تعم البلاد، ليستولي في أيار 2016 على مزيد من الأراضي حول مصراتة، بعد أن نفّذ في يناير 2016، هجوماً إنتحارياً في زليتن بغرب ليبيا هو الأكثر دمويةً في تاريخ البلاد. ثم في ديسمبر 2016، استولت قوات حكومة الوفاق على مدينة سرت، معقل تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أشهر من القتال المدعوم بالغارات الجوية الأميركية على المدينة

انتهاكات حقوق الإنسان، هل من رقيب؟!

مع تعدّد الحكومات والسلطات، يجد الليبيون أنفسهم مضطرين للتعامل مع مؤسسات سياسية وأمنية مختلفة ومتنوعة باختلاف الجهات التابعة لها؛ ثلاث حكومات في آن واحد وميليشيات متعدّدة تتنقل في ولائها من سلطة إلى أخرى، وتحاول إنفاذ القانون بشكل غير رسمي في جميع أنحاء البلاد. ومع كل هذه الفوضى صار من الصعوبة بمكان تحديد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبتهم.
لعلّ هذا ما يفسّر غياب سيادة القانون إلى حد كبير شرقي البلاد، إذ لا تستطيع حكومة طبرق السيطرة الكاملة على جميع الميليشيات هناك، بما فيها تلك الموالية لها، أو حتى الموالية لقيادة الجنرال حفتر. فقد خلق هذا الوضع جواً من عدم المساءلة ينذر بحدوث كارثة، سيما أن تلك الميليشيات متهمة بارتكاب جرائم حرب. ففي يوليو 2016، أحضر إلى مستشفى بنغازي 14 جثة لضحايا أعدموا خارج نطاق القضاء تمّ العثور عليها في منطقة خاضعة لسيطرة قوات الجنرال حفتر. وصف الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مارتن كوبلر، جريمة قتل أولئك الضحايا بجريمة حرب ودعا إلى فتح تحقيق فيها ومحاكمة الجناة، لكنّ أي إجراء لم يتّخذ حتى تاريخه.
مثال آخر على عدم المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان هي حالة القاضي المتقاعد والعضو السابق في المؤتمر الوطني العام الليبي، سليمان عوض زوبي، الذي أفرج عنه يوم 4 سبتمبر عام 2016، بعد سنتين من الاعتقال التعسفي. اختطف في يوليو 2014 من قبل ميليشيات الزنتان، فأرسلت الكرامة نداء عاجلا إلى الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي تؤكد احتجازه في حبس انفرادي وتعرضه للتعذيب وسوء المعاملة. بيد أنّ الجناة لايزالون طلقاء حتى الآن، ولم تتمّ مساءلة أحد منهم.

استمرار انتهاك القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان

فشلت السلطات على اختلاف انتماءاتها في الحفاظ على الأمن وحماية الحريات والحقوق الأساسية في البلاد، الأمر الذي خلق أرضيةً خصبة للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. وهو ما شهده العام 2016 كما غيره من الأعوام، فانتشرت عمليات القتل خارج نطاق القانون، لا سيّما إعدام المختطفين والمحتجزين سراً وحتى المعارضين. ناهيك عن فشل جميع الحكومات في إخضاع حالات التوقيف والاعتقالات التي تمارسها الميليشيات والتي غالباً ما تقع خارج نطاق قانون السلطة القضائية ينتج عنها احتجازات لفترات طويلة من الزمن من دون مراجعة قضائية وحالات من الاختفاء القسري المتفاقم، لا سيما بالنسبة للمحتجزين في مراكز اعتقال سرية أو غير معترف بها. دون أن نغفل ذكر ممارسة التعذيب المنتشرة على نطاق واسع، والتي تتسبب في وفيات الكثير من المعتقلين.
وثقت الكرامة في العام 2016، حالات انتهاكات جسيمة ارتكبتها قوة الردع الخاصة، التي تعلن ولاءها لحكومة الوفاق. وبما أن الأخيرة لا تمارس رقابة قضائية فعالة عليها، فقد تمادت في ممارساتها غير القانونية كالخطف والاعتقال السري والتعذيب، يشجعها على ذلك جو الإفلات التام من العقاب وعدم المساءلة. في 11 أكتوبر 2016، أرسلت الكرامة نداء عاجلا إلى الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة بشأن قضية مصطفى عبد الخالق الدرسي، البالغ من العمر 48 عاما والذي اختطف في 9 يناير 2016 بمدينة زليتن من طرف عناصر تابعين لقوة الردع الخاصة بملابس مدنية. لم تتمكن عائلته من رؤيته حتى مايو 2016 أي بعد ثلاثة أشهر من اختطافه، وكان اللقاء عبر شاشة زجاجية في قاعدة معيتيقة العسكرية، على بعد 11 كلم شرق طرابلس، حيث توجد عدة مراكز اعتقال أنشأتها ميليشيات مختلفة. ومايزال مصطفى رهن الاعتقال التعسفي حتى تاريخه، بانتظار إحالته أمام سلطة قضائية.
كذلك، في 12 نوفمبر 2016، أرسلت الكرامة نداء عاجلا إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في الأمم المتحدة بشأن حالة الشيخ نادر السنوسي علي العمراني، البالغ من العمر 44 عاما، الذي اختطف يوم 6 أكتوبر 2016 في طرابلس من طرف قوة الردع. ولاحقاً شهد أحد أفراد قوة الردع اليافعين، بمشاركته مع آخرين في إعدام الشيخ السنوسي. لكن المدعي العام لم يفتح أي تحقيق بشأن تلك التصريحات حتى تاريخه.

مفوضية حقوق الإنسان تدين انتشار انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا

في مارس 2015، أرسلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بعثة للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبت في ليبيا منذ بداية العام 2014. وفي أكتوبر 2015، أعدّ فريق البحث في مؤسسة الكرامة تقريراً قدّمه إلى فريق التحقيق وثّق فيه حالات انتهاكات جسيمة ارتكبتها جهات ليبية مختلفة، شملت شهادات عدد من الناجين وشهود العيان.
في 15 فبراير 2016، نشرت المفوضية تقريراً تضمن نتائج التحقيق التي توصلت إليها، وقدمته إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ 31 التي انعقدت في مارس 2016. ذكر التقرير نمطاً من الانتهاكات والاعتداءات التي «قد ترقى إلى جرائم حرب»، ارتكبتها أبرز الجماعات المسلحة في البلاد، بما في ذلك عملية «الكرامة»، التي تضم ميليشيات متحالفة مع الجنرال حفتر، و «مجلس شورى ثوار بنغازي» المناهضة لـ «عملية الكرامة»، و «فجر ليبيا» وتحالف جماعات مسلحة مناهضة للتنظيم الأخير، إضافة إلى جماعات مسلحة قبلية وأخرى مبايعة لتنظيم الدولة الإسلامية.
وأعربت المفوضية، في تقريرها، عن أسفها لارتكاب تلك الانتهاكات في مناخ يسوده الشعور بالإفلات من العقاب، وأوصت «الحكومة الليبية» بمكافحة تلك الظاهرة وإصلاح القضاء وتعزيزه. بيد أن الوضع الراهن الضّاج بمختلف السلطات السياسية المتنافسة والمتناحرة فيما بينها، ناهيك عن التحديات التي تواجهها حكومة الوفاق الوطني، يجعل تنفيذ تلك التوصيات غايةً في الصعوبة.
أوصى التقرير كذلك باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تنامي الجماعات المسلحة من خلال نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، إضافة إلى إنشاء برنامج تدقيق للحيلولة دون تجنيد المسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في جيش موحّد قد يتمّ إنشاءه في المستقبل. ودعت المفوضية أيضاً السلطات إلى استئناف أنشطة بناء الدولة في أقرب وقت ممكن، مع التركيز بشكل خاص على بناء مؤسسات شاملة، وأجهزة فعالة لإنفاذ القانون، وسلطة قضائية مستقلة ونزيهة وقوات مسلحة موحدة تعمل تحت إشراف مدني.
لكن وبعد مرور ستة أشهر على صدور التقرير، أكدت نائبة المفوض السامي لحقوق الإنسان، السيدة كيت غيلمور، خلال الدورة الـ 33 لمجلس حقوق الإنسان، أن الوضع في ليبيا لم يشهد أي تحسن ملحوظ وأن الفصائل المتحاربة «لا تعير اهتماماً كبيراً لأمر المدنيين». ودعت، بالنظر إلى الواقع المأساوي و «ضعف الأمل في حل الأزمة على المدى القريب»، إلى تعيين خبير مستقل يعنى بالشأن الليبي، ويقدّم التقارير حول حالة حقوق الإنسان ومحاسبة الجناة.