الجزائر: لجنة حقوق الإنسان تدين الجزائر مرة أخرى بسبب الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في مخيمات تندوف

M'Rabih ADDA

خلال دورتها الـ 134 المنعقدة بجنيف في الفترة من 28 فبراير إلى 25 مارس 2022، أقرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مرة أخرى مسؤولية السلطات الجزائرية عن الانتهاكات التي ارتكبتها عناصر البوليساريو في مخيم تندوف (جنوب شرق الجزائر) ضد اللاجئ الصحراوي امربيه أحمد محمود أدا.

وقد جاء قرار هيئة الأمم المتحدة أخيرًا لصالح الضحية بعد شكوى رفعتها الكرامة في تاريخ 12 يونيو 2015. ويشبه قرار الأمم المتحدة هذا قرارا سابقا لها صدر في قضية أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، أحمد خليل محمود بريه، اختطفته المخابرات الجزائرية من وسط الجزائر العاصمة ونُقل إلى سجن البليدة العسكري، ليختفي أثره منذ ذلك الحين. حيث خلص خبراء الأمم المتحدة إلى مسؤولية الحكومة الجزائرية فيما حدث لأحمد محمود بريه.

وبحسب أقاربه، فإن ما تعرض له أحمد خليل محمود بريه كان انتقاما منه على مواقفه المنددة بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قيادة البوليساريو في مخيمات اللاجئين في منطقة تندوف في جوّ من اللاعقاب.

تذكير بالحقائق

شارك امربيه في تأسيس جمعية "الصمود"، ثم حركة "5مارس" المناهضة للبوليساريو التي رأت النور سنة 2011 خلال اندلاع الربيع العربي، أنشئت ليفضح البؤس وظروف العيش الكارثية لسكان المخيمات، وكان ينتقد قادة البوليساريو من خلال تنظيم وقفات احتجاجية سلمية.

ألقي عليه القبض أول مرة أثناء زيارة كريستوفر روس المبعوث الأممي الخاص الرسمية إلى مخيمات تندوف في مارس 2013. حاول أمربيه تسليمه رسالة، إلا أن قوات البوليساريو منعته واعتقلته 3 أيام تعرض خلالها للتعذيب وسوء المعاملة.

ثم كانت المرة الثانية إثر تنظيمه سنة 2014 لسلسلة من الوقفات أمام مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، للمطالبة بالحق في حرية التعبير والتنقل وظروف حياة كريمة للاجئين بمخيمات بتندوف.
كان امربيه في 25 أغسطس 2014 ببيت أحد معارفه بمدينة تندوف، حين داهم رجال الأمن الجزائريين المكان وقبضوا عليه. غطوا رأسه ووثقوا يديه وانهالوا عليه بالضرب ثم أخذوه معهم ليسلموه مساء نفس اليوم إلى قوات البوليساريو.

نقل إلى سجن الرشيد الذي تسيره مخابرات البوليساريو، والمعروف بين سكان المخيمات على أنه مركز تعذيب، وهناك احتجز في السر واستجوب عن أنشطته السياسية. ويحكي امربيه أنه تعرض للتعذيب القاسي، وأن جلاديه طلبوا منه قراءة تصريح قاموا بتحريره "يعترف فيه بأخطائه، ويشهد على أنه جُند من قبل المغرب". أمام رفض، صرّح امربيه أن تعذيبه ازداد قساوة حيث جرى تعليقه من معصميه وضربه بالعصي وحرامانه من النوم والأكل لعدة أيام. استمرت محنته شهرين في عزلة تامة عن العالم الخارجي ليرضخ لطلبهم ويقوم بقراءة الاعترافات أمام كاميرا البوليساريو، ويلتزم بوقف نشاطه السياسي.

أستطاع امربيه الفرار أخيرا من مخيمات تندوف بعد إطلاق سراحه، ليلجأ بادئ الأمر إلى موريتانيا ثم إلى مدينة الداخلة بالصحراء الغربية.

مسؤولية السلطات الجزائرية

أثارت الكرامة في مذكرتها إلى الأمم المتحدة مسؤولية الحكومة الجزائرية عن كل انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع في الأقاليم الواقعة تحت سيطرتها، فهي وفقا لمبدإ الإقليمية مسؤولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عن حماية واحترام الحقوق الأساسية لجميع الأفراد الواقعين تحت حمايتها كانوا مواطنين مقيمين أم لاجئين. وهي بذلك مسؤولة عن جميع الانتهاكات، بما فيها تلك المرتكبة في مخيمات اللاجئين في تندوف من قبل قوات البوليساريو الواقعة تحت حمايتها.

وقد أدانت الكرامة في مذكرتها جميع الانتهاكات المرتكبة في مخيّم تندوف، مذكرة بالحقوق الأساسية للاجئين، بما في ذلك حقهم بأن لا يتعرضون للتعذيب، وحقهم في عدم اعتقالهم تعسفيا و في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.

أخيرًا، حكمت لجنة حقوق الإنسان بهذا المعنى ورفضت جميع حجج السلطات الجزائرية، معتبرة أن إسناد إدارة مخيمات اللاجئين إلى البوليساريو بحكم الأمر الواقع لا يُعفي الجزائر من مسؤولياتها.
كما أكد خبراء الأمم المتحدة من جديد  على ضرورة التزام الجزائر بحماية وضمان احترام جميع الحقوق الأساسية لجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها، بغض النظر عن وضعهم، بموجب مبدأ الإقليمية ووفقا للمادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الجزائر عام 1989.

ووفقا للجنة، فإنه يقع على عاتق الدولة الطرف أيضا مسؤولية تمكين جميع الأشخاص الموجودين على أراضيها من الوصول إلى سبل الانتصاف الفعالة والقابلة للإنفاذ للمطالبة بالحقوق التي يكفلها العهد.
انتهاك حق الضحية في الحرية والأمن

من بين الانتهاكات التي أثارتها الكرامة في مذكرتها ما يتعلق بالحق في الحرية والأمن الشخصي، وهو حق مكرس في المادة 9 من العهد الذي يحظر الاعتقال والاحتجاز التعسفيين بفرض عدد من الضمانات الإجرائية على الدولة الطرف.

ففي حالة امربيه أدا، لم يحدد أعوان دائرة الاستعلام والأمن الذين اعتقلوه أسباب اعتقاله ولم يقدموا له أي مذكرة توقيف. ثم تم احتجازه بشكل غير قانوني من قبل عناصر البوليساريو لفترة أطول بكثير من المدة القانونية القصوى البالغة 12 يومًا، ولم يَمثُل أبدًا أمام أي سلطة قضائية مختصة للبت في قانونية اعتقاله.

وهكذا خلص خبراء الأمم المتحدة إلى أن الدولة الطرف مسؤولة عن انتهاك حق الضحية في الحرية والأمن الشخصي بموجب المادة 9 من العهد.

إثبات اللجنة للمعاملة القاسية والمهينة التي يرتكبها عناصر البوليساريو

وفيما يتعلق بالحبس الانفرادي لمدة 14 يوما، أقر الخبراء المستقلون بأن هذا يشكل شكلا من أشكال التعذيب بموجب المادة 7 من العهد، بالنظر إلى "درجة المعاناة التي ينطوي عليها الحرمان من الحرية دون الاتصال بالعالم الخارجي لفترة من الوقت غير محددة".

كما ذكرت اللجنة أن التعذيب الذي يتعرض له الضحية يعد، بالإضافة إلى كونه مخالفًا للمادة 7، انتهاكا لحقه في أن يعامل بإنسانية واحترام للكرامة الأصيلة للإنسان على النحو الذي تكفله المادة 10 من العهد.
 
رفض لجنة حقوق الإنسان الهجومات السياسية التي تشنها السلطات الجزائرية على الكرامة ومديرها القانوني

كما رفضت اللجنة أثناء نظرها في الشكوى جميع استنتاجات السلطات الجزائرية التي ذهبت إلى تسييس الشكوى من خلال التهجم على منظمة الكرامة وعلى شخص مديرها القانوني، السيد رشيد مصلي، بدل الرد على وقائع الانتهاكات التي أبلغت عنها الكرامة بالحجة القانونية. حيث أشار خبراء الأمم المتحدة إلى أن "الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحب البلاغ بشأن الأسس الموضوعية"، مطالبة إياها بالتعاون مع الإجراء وفقا لالتزاماتها الدولية.

وخلصت اللجنة إلى أن السلطات الجزائرية تتحمل المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات التي تعرض لها السيد امربيه أحمد محمود أدا، وحثتها على إجراء تحقيق سريع وفعال وشامل ومستقل ونزيه وشفاف في هذه الانتهاكات، وتوفير سبل انتصاف فعالة للضحية بمنحه تعويضا كاملا.

من جهتها، ستراقب الكرامة في إطار إجراءات المتابعة بالتعاون مع لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تنفيذ الدولة الطرف لهذا القرار المهم.