مصر: عقد على مذبحة رابعة.. معايير مزدوجة وعدالة تائهة
تعبر الكرامة عن أسفها لغياب العدالة عن ضحايا مذبحة رابعة في مصر، رغم مرور عقد من الزمان على وقوعها عندما اقتحمت قوات الشرطة وعناصر الجيش المصري في 14 أغسطس/ آب 2013 ميداني رابعة والنهضة وفتحت النار على المعتصمين السلميين، فقتلت وأصابت آلاف الأشخاص وأحرقت جثث الموتى، في جريمة مروعة مثلت جرحًا غائرًا في ضمير الإنسانية.
حتى اللحظة لا يزال مرتكبو مجزرة فض اعتصام رابعة في مصر دون حساب، والعدالة غائبة، ولا يزال عداد القمع يحصد المزيد من الضحايا على يد النظام العسكري بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي.
نشاط الكرامة
منذ اللحظة الأولى، عملت الكرامة على توثيق أحداث رابعة ميدانيًا عبر الرصد والتوثيق للضحايا الذين قارب عددهم ألف قتيل وجريح في غضون ساعات قليلة، بالإضافة إلى آلاف المعتقلين في الأيام التالية.
كما قدمت الكرامة لائحة الضحايا إلى المقرر الأممي الخاص المعني بالقتل خارج نطاق القضاء، وحثت مفوضة الأمم المتحدة على مطالبة مجلس الأمن بإحالة هذه الجرائم الجماعية على المحكمة الجنائية الدولية، وفقا لأحكام نظام روما الأساسي لسنة 2001.
واعتبرت الكرامة حينها على لسان مديرها المحامي رشيد مصلي: "أن التدخل المفرط والدامي للجيش وقوات الأمن الذي خطط له ونفذ ضد المتظاهرين السلميين يتوفر على جميع العناصر القانونية التي تسمح بوصفه جريمة ضد الإنسانية حسب القانون الدولي".
ورغم النداءات المتكررة لمختلف الهيئات الأممية ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، لم يتم إجراء أي تحقيق جاد إلى اليوم. بل وفقدت أسر الضحايا وأقاربهم أي أمل في سلوك إيجابي للسلطات، نظرًا لتورطها المباشر في هذه المذبحة.
حتى دعوات الأمين العام للأمم المتحدة السابق "بان كي مون"، إلى ضرورة إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث رابعة لم تلق آذانًا صاغية من طرف الفاعلين الدولين والحكومات الغربية، وبالتالي ذهبت تلك الدعوات أدراج الرياح.
المفوضية الأوربية
نظرًا للعمل الميداني الذي اعتمدت عليه الكرامة إبان أحداث رابعة، تلقت منظمتنا آنذاك اتصالاً من مكتب الممثل السامي للاتحاد الأوروبي في شؤون الأمن والسياسة الخارجية حينها "كاثرين آشتون" تطلب موافاتها بقائمة الضحايا، وهو الأمر الذي بادرت الكرامة لتلبيته أملاً في اتخاذ مواقف جادة إزاء المذبحة، غير أنه لم تمر سوى مدة وجيزة حتى احتفلت السيدة كاثرين آشتون في عيد رأس السنة بمدينة الاقصر في ضيافة النظام الانقلابي المتورط في ارتكاب مذبحة رابعة المروعة، الأمر الذي يثير التساؤل ما إذا كانت تلك الزيارة بمثابة ضوء أخضر آنذاك للنظام بالاستمرار في عمليات القمع والاعتقالات وأحكام الإعدام.
معايير مزدوجة
لقد بدا جليًا أن هناك نوعًا من الازدواجية والتمييز من طرف الحكومات الغربية في التعامل مع ضحايا ميدان رابعة، وفي هذا السياق، يقول المحامي رشيد مصلي مدير الكرامة "رغم فداحة ما حدث كانت معايير الغرب المزدوجة سيدة الموقف، وما إن مضى وقت قصير حتى كان الجنرال السيسي يُستقبل في العواصم الأوربية كأن شيئا لم يكن"، يضيف مصلي: "إن صمت الجهات الدولية على مذابح العسكر في مصر شجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات وأعمال القمع حتى هذه اللحظة".
جريمة ضد الإنسانية
رغم ذلك، لم يفقد أهالي الضحايا أملهم في إمكانية محاسبة الجناة، ولا يزالون متمسكين بحقهم في تحقيق العدالة، يقول مستشار الرئيس السابق محمد مرسي السيد أحمد عبدالعزيز الذي خسر ابنته "حبيبة" في أحداث رابعة: "شهداء رابعة كانوا بالآلاف وليسوا بضع مئات كما حاولت سلطة الانقلاب أن تقنع العالم! عدد الشهداء (في تقديري) يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف شهيد، تم تجريف جثامين العدد الأكبر منهم بالبلدوزرات، ولم يُعرف لها مكان حتى اليوم..".
يضيف: "لا اعتراف بسلطة الانقلاب، ولا حوار مع القتلة، ولا عفو عن أولئك المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة الشنعاء، عن سابق قصد وتصميم، بهدف الصدمة والترويع؛ لإظهار سيطرتهم (التامة) على مقاليد الأمور في البلاد.. فمكان هؤلاء في المحاكم لا موائد الحوار".
أما المحامي الحقوقي المصري حسين عمار أحد الذين قاموا بتوثيق شهادات الناجين من مذبحة رابعة، فإنه لا يرى ضرورة لمراجعة التأريخ حتى يعرف أن يوم 14 أغسطس 2023 يصادف ذكرى مرور عشر سنوات على تلك المذبحة المروعة، "تعود بي الذكريات إلى يوم المذبحة وكأنها حدثت للتو ولا زلنا محبوسين في ذلك اليوم المظلم في تأريخ مصر ورائحة الدماء في كل مكان، كما لا يزال الألم ممتدًا وستظل المشاهد حاضرة مع كل شخص عاش تلك الأحداث حتى يأتيه الموت"، لكنه رغم ذلك يحدوه الأمل بتحقيق العدالة مهما طال الزمن.
بدوره، يقول المحامي أشرف توفيق مدير منظمة نجدة لحقوق الإنسان:"تشكل مذبحة رابعة التي راح ضحيتها في غضون ساعات قليلة 2600 إنسان جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان طبقا للقانون الدولي ولن تسقط بالتقادم".
ويضيف المحامي أشرف توفيق: "المذبحة لم تكن في ميدان رابعة فقط؛ بل امتدت مكانيًا لتشمل 14 محافظة بمراكزها وقراها، وامتدت زمانيًا حتى الآن، فما زال السفاح يمسك بآلات القتل، لسفك الدماء تارة بالقتل خارج نطاق القانون وتارة بالإهمال الطبي المتعمد داخل السجون وتارةً بالتعذيب وتارةً بأحكام الإعدام المسيّسة، وعلى المجتمع الدولي أن يوقف دعمه للنظام وأن ينزع من يديه آلات القتل ليوقف المذبحة".