تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
قامت منظمة الكرامة، خلال الأشهر الفائتة، بزيارة الى أقضية عكار شمالي لبنان، خصوصاً منطقة وادي خالد المتاخمة للحدود اللبنانية السورية، حيث يوجد آلاف النازحين السوريين، الذين هربوا من جحيم القمع والانتهاكات على أيدي أجهزة الأمن والجيش التابعة للنظام السوري.

وقد اطلعت الكرامة على الأوضاع الإنسانية لهؤلاء النازحين واستمعت إلى شهادات العديد منهم حول المعاناة والانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان.

وأدّت عمليات القمع المميت والممنهج ضد المواطنين السوريين إلى نزوح أكثر من 6,000 مواطن من منازلهم منذ منتصف مايو/أيار، وإلى التماس ملجأ لهم في شمالي لبنان. وقد روى أكثر من شاهد ما تعرض له او شاهده في بلدته وخاصة في مدينة تلكلخ، التي تضم حوالي 35000 نسمة وتقع في محافظة حمص وسط سورية.

وتتضمن الشهادات، التي جمعتها الكرامة، تفاصيل حول ما عانوه أو شاهدوه منذ بدء الثورة السورية في تلكلخ من إعتقالات من قبل الأجهزة النظامية (الجيش، الأمن) ومن قبل العناصر غير النظامية التي تعرف ب"الشبيحة" والإنتهاكات التي رافقها من تخريب وقتل وسرقة، وصولاً إلى الوضع الصحي وإستغلال المستشفيات للتنكيل بالمصابين. علماً بأن أحداث هذه الوقائع التي رواها الشهود ترجع إلى ما قبل شهر حزيران /يونيو 2011.

وحرصاً على سلامة الشهود، تتحفظ الكرامة على ذكر كامل أسمائهم، وتكتفي بذكر الحرف الأول من الاسم:

- بدء الثورة في تلكلخ

يتحدث السيد (م.د.) عن أول شرارة لانطلاق الاحتجاجات في سوريا، قائلاً : "إنطلقت الثورة في مدينة درعا في 15 اذار\مارس 2011 ثم صار عليها حصار، أما في مدينة تلكلخ فانطلقت أول مظاهرة من عدة مساجد في 25 اذار\مارس 2011 وكانت من حوالي ألف شخض، كانت مظاهرة شبه عفوية تضامنا مع شهداء درعا ". وعن خلفية انطلاق الثورة، يضيف السيد (م.د.): " إن الظلم والتراكمات منذ أكثر من نصف قرن من قبل النظام السوري ولدت احتقاناً لدى الشارع السوري، وأدت إلى إضطهاد من كل النواحي"، ويضرب مثالاً لذلك قانون الاصلاح الزراعي، حيث "نزعوا الملكية ووزعوها على الطوائف، واستملكوا الاراضي. في السبعينات استلم الريس الراحل حافظ الأسد سدة الحكم، وحصلت مجازر في الثمانينات كمذبحة حماة، هذا عدا عن إعتقال الآلاف على مدى السنوات سنداً إلى قانون الطوارئ".

ويتحدث السيد (ع. ج.)، وهو لاجئ آخر التقته الكرامة يوم 18 أيار/ مايو 2011، مشيراً إلى أن "الثورة السورية أول ما انطلقت كانت تنادي بمطالب لاطلاق المعتقلين بالسجون السورية واكثر من 500 شخص مازالوا مختفين، تم إخلاء سبيل حوالي 40 شخصاً منهم فقط"، ويستدرك: "لكن لم يقفوا عند هذا الحد، فصاروا يعتقلون كبراء المدينة كالمحامين والأطباء والمهندسين، ويسرقون محلاتهم ويداهمون منازلهم، بينما الاعلام السوري كان يشوه صورتهم ويقول عنهم ارهابيين." ويضيف (ع. ج.)، بأن ذلك كان هو "السبب الذي دفع الناس في تلكلخ في البداية للخروج إلى الشارع في أواخر آذار/مارس. ولم يبدؤوا في المطالبة بسقوط النظام إلا بعد 19 نيسان/أبريل 2011، أي بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من أول مظاهرة خرجت من هناك ".

- دور الأجهزة النظامية وغير النظامية في الأحداث الأخيرة

يروي السيد (م.د.) عن دور الأجهزة النظامية وغير النظامية في تلك الأحداث وما قبلها، فيقول: "قبل الاحداث في بداية عام 2010، قامت عناصر المخابرات الجوية بحملة إعتقالات طالت المئات، بحجة محاربة الفساد ومنع التهريب، وأثناء المظاهرات الأخيرة بدأت الإعتقالات في "جمعة الحرائر" في 13 أيار/مايو 2011، فدخل الجيش بكثافة كبيرة، مؤلفاً من فرقة وفوج اي ما يقدر حوالي 244 آلية عسكرية بين دباية ومدرعة وحاملة جند، وخلافه. وأيضاً دخلت عناصر تابعة لكل من: الأمن العسكري، الأمن السياسي وأمن الدولة، وعناصر من الشبيحة، وكان ظاهراً أنّ لباس الجميع هو بنفس الزي العسكري ولكن كنا نميزهم حسب نوع الابواط (الأحذية) الخاصة لكل منهم".

أما عن الجرائم التي ترتكبها المليشيات المسلحة التابعة للنظام، والتي باتت تعرف باسم "الشبيحة"، فيروي جانباً منها لاجئ سوري آخر هو السيد (م. خ) التقته الكرامة في نفس التاريخ مع السيد (ع. ج.)، أي بتأريخ 18 أيار/ مايو 2011، يقول: "تقوم هذه العناصر المدنية باعتقال المدنيين، أغلبهم من الشباب، كما تمارس عملية القتل ضد المتظاهرين بالقنص من على أسطح الأبنية والمشافي وحتى المساجد".

ويضيف بأن عناصر "الشبيحة" هي من تمارس أيضاً أعمال "التخريب وسرقة ممتلكات المواطنين كالمجوهرات". "وقامت أيضاً بالتقنيص على المواطنين لدى فرارهم إلى شمالي لبنان، لمنعهم من الوصول إلى الحدود اللبنانية السورية خشية أن يظهروا حقيقة ما يجري هناك".

ويؤكد معظم الشهود الذين استمعت الكرامة إليهم بأن "عمليات القنص التي تمارسها مجاميع (الشبيحة)، ضد المدنيين والنازحين، لم يكن الغرض منها تحذيرياً، بل متعمداً وأدى إلى إصابات في البطن".

وقد قال أيضاً السيد (م.د.) بأنه: "يوجد على سطح المشفى الوطني في تلكلخ حوالي 23 قناصاً من الشبيحة، وأيضاً على سطح الثانوية التجارية، وسطح مسجد عثمان بن عفان (مسجد البرج) يوجد متاريس للقناصة، علماً بأنّ اكثر الناس الذين استشهدوا هم بنيران القناصة، وفقاً لشهادات الناجين.

- مراكز الإحتجاز أثناء الأحداث

أثناء الإحتجاجات الأخيرة ولكثرة عدد المعتقلين يروي شهود لمنظمة الكرامة تفاصيل عن أماكن الإحتجاز التي استخدمت لقمع المحتجين، يقول السيد (ع. ج.): "إستعملت الساحات العامة ومراكز شرطة المرور وحتى المدارس كأماكن للاحتجاز، على سبيل المثال كون مدينة تلكلخ هي قريبة جداً لمدينة حمص أستعمل مركز شرطة المرور على الطريق العام لأوتوستراد حمص كمركز للاحتجاز، يودع فيه عشرات المعتقلين، الذين يمكثون هناك لفترة وجيزة قبل أن يتم نقلهم إلى سجن المخابرات العسكرية في مدينة حمص حيث يوجد معظم السجناء من أبناء مدينة تلكلخ".

- أبرز الإنتهاكات التي أرتكبت في تلكلخ

أكد الشهود الذين استمعت إليهم الكرامة اعتقال عشرات الأشخاص من مدينة تلكلخ وإعدامهم سراً، كما تظهر بعض الجثث بأن عملية القتل جرت بطرق وأساليب وحشية للغاية، وقد أورد السيد (ع. ج.) عدداً من الضحايا بالاسم: "محمد الجبوري 18 سنة، محمد ماجد عكاري 40 سنة، منتصر عكاري 37 سنة، أحمد صنديل 18 سنة، محمد الدرزي 22 سنة، محمد على أكرومي 43 سنة، خالد أكرومي 50 سنة، اسماعيل دعدوش 30 سنة، سليمان دعدوش 17 سنة ".

وأورد السيد (م.د.) أسماء ضحايا آخرين اُعتقلوا ثم أعدموا: "علي الباشا، مصطفى الحمادي، مجد الكردي، سؤدت الكردي، أحمد ابو لبدي، عبدالرحمن ابو لبدي، أحمد الصنديد، عبدالغفار الزعبي، كفاح حيدر، المحامي أحمد حمشو، محمد حلوم، أبو رائد الخطيب، غازي مستو، رامز مسقال ".

وأفاد الشاهد الثالث السيد (م. خ) بأنه: " قتلت إمرأة عمرها 40 سنة بواسطة الشبيحة وقطعوا أيديها ليأخذوا الذهب وهذا يؤكد على مستوى الوحشية التي يمارسها هؤلاء ."

- الوضع الصحي في مدينة تلكلخ

تعاني مدينة تلكلخ كمعظم المدن السورية التي تشارك في المظاهرات من وضع صحي سيء. فقد أفاد الشهود لمنظمة الكرامة بأنه وصل الحد إلى إستغلال المشافي الوطنية في مدينة تلكلخ إلى مراكز للإعتقال والقتل من قبل الشبيحة والعناصر النظامية.

وأورد أحد الشهود، هو السيد (م.د.) بأن: "معظم المشافي الوطنية قد اُحتلت من قبل الأجهزة الأمنية والشبيحة، والمصاب لا يخرج من المشفى إلا مذبوحاً، هذا عدا عن استعمال أسطح هذه المستشفيات كمراكز للقنص". يضيف: "حتى الجثث التي كانت تبقى في المشافي كانت توضع في براد المشفى من دون كهرباء، بل إن بعض هذه الجثث كانت تلقى على الشارع وذلك كي لا يشك أحد بأنهم قتلوا في المشافي ".

ويؤكد السيد (م.د.) بأنّه: " لا أحد يجرؤ على نقل المصابين إلى المشافي رغم أنه يوجد عدد من المصابين بحاجة إلى تلقي العلاج، ولكن أصبحت المشافي مجرد فخ لقتل الجرحى والمصابين"، "لم يعد هناك أمان في المشافي حتى لو تأكدوا بأنها خالية من عناصر الشبيحة."

وقال أيضاً السيد (م.د.): "أصبحت كتير من الأدوية مفقودة من الصيدليات كإبر الكزاز، وتم تفريغ المشفى الوطني في تلكلخ من كل الأطباء ويوجد على ظهر هذا المشفى حوالي 23 قناصاً من الشبيحة."

- الوضع الحالي

يروي السيد (م.د.) عن الوضع الحالي للأهالي الذين لم يغادروا منازلهم في تلكلخ حتى الآن، مؤكداً بأن هؤلاء الآن تحت الحصار، ومعزولون عن العالم، وهم لم يتمكنوا من الهروب خشية تعرضهم للقتل، " الأهالي التي ما زالت صامدة في تلكلخ رفضت مغادرة منازلها لأنّها لو غادرت لن تعود، فهم مخاطرين بحياتهم ولا أحد يعرف عن وضعهم الحالي، فقد غادر حوالي ال 95% من سكان تلكلخ، والمخبز غير موجود في المدينة كونه قد قصف، والأهالي يأتون بالخبر والطحين من مناطق أخرى مجاورة، وحتى سوق الخضار مغلق."

ويضيف: "حتى خزانات المياه تم استهدافها بالقنص من قبل الشبيحة وذلك من أجل تفريغها من المياه، للضغط على الأهالي، كما أن الإتصالات والكهرباء مقطوعة. "

- ماذا بعد؟

هذه أبرز النقاط التي تضمنتها شهادات اللاجئين السوريين الناجين من جرائم النظام، وهي تكشف هول الانتهاكات التي ارتكبت بحق المواطنين السوريين.

وبالإضافة إلى القضايا الفردية والجماعية التي قدمتها الكرامة إلى الآليات المعنية بالأمم المتحدة، منذ بدء الأحداث الأخيرة، فإن منظمتنا تضع هذه الشهادات (مع مقاطع صوتية مسجّلة) تحت تصرف لجنة تقصي الحقائق الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بناءً على الطلب المدرج في القرار رقم A/HRC/RES/S-16/1والصادر في 29 ايار 2011, للتحقيق في كل الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني في سوريا ولإلقاء الضوء على جانب من الحقائق والظروف المحيطة بهذه الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت، بهدف تجنب الإفلات من العقاب، وتحميل النظام السوري المسؤولية في ارتكاب هذه الجرائم.

إن منظمة الكرامة تناشد السلطات السورية احترام مسؤولياتها الإنسانية والقانونية والأخلاقية، والتوقف الفوري عن هذه الانتهاكات، والكف عن استعمال العنف خلال التظاهرات السلمية وفتح تحقيق في كل مزاعم القتل التي ارتكبت، والإفراج الفوري عن كل معتقلي الاحتجاجات الأخيرة وكافة معتقلي الرأي.