ليبيا: شكوى أمام الأمم المتحدة بشأن وفاة السيد الداقل في سجن ابو سليم

بعد ما يقرب من 20 سنة على توقيف السيد عبد الحميد الداقل، علمت أسرته عن طريق السلطات الليبية بأنه قد توفي في عام 1996، غير أن الأسرة لا تملك أي دليل يثبت الوفاة كما أنه لم يسمح لها باستعادة جثمانه واتخاذ التدابير اللازمة لإجراء تشريح للجثة، وهو الأمر الذي جعلها تتقدم بشكوى في 5 أيار / مايو أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.والسيد عبد الحميد الداقل، من مواليد عام 1963، كان يعمل طيارا في صفوف قوات سلاح الجو الليبي وهو من سكان بلدة بني الوليد. وقد ألقي عليه القبض يوم الخميس 26 كانون الثاني / يناير 1989 على حوالي الساعة الرابعة والنصف عصرا من قبل عدد كبير من عناصر مصالح الأمن الداخلي بمنطقة فم ملغة القريبة من طرهونة.

وللعلم، كان السيد الداقل يوجد، وقت إلقاء القبض عليه، على متن سيارة رفقة ثلاثة أشخاص آخرين، تم الإفراج عن اثنين منهم، في 10 شباط / فبراير 1989، أي بعد قضائهم 15 يوما في الحبس الانفرادي، في مقر الأمن الداخلي في طرابلس. أما الشخص الثالث، فظل معتقلا سرا لمدة عدة سنوات قبل أن يطلق سراحه من سجن أبو سليم، القريب من طرابلس، وذلك في شهر آذار / مارس 1995 دون تقديمه أمام أية هيئة قضائية.

وفي أعقاب إطلاق سراح هذا الأخير، توصلت أسرة السيد الداقل لأول مرة، بمعلومات عن مصير ابنهم، تفيد بأنه كلا لا يزال آنذاك على قيد الحياة، وكان رهن الاعتقال السري في سجن ابو سليم و لم تتخذ في حقه أي إجراءات قضائية قط.

ورغم المساعي الحثيثة التي بذلتها أسرته لدى إدارة سجن أبو سليم ومختلف السلطات السياسية والقضائية، لم تعترف هذه السلطات أبدا باحتجازها السيد الداقل.
وكانت قضيته قد أحيلت في 06 كانون الثاني/ يناير 2006 إلى فريق العمل المعني بالاختفاء القسري، أملا في أن تقدم الحكومة الليبية توضيحات وتفاصيل عن مصيره، غير أن المسؤولين المعنيين لم يعيروا الأمر أدنى اعتبار ولم يردوا على الاستفسارات التي طلب بها هذا الإجراء الخاص.

وفي 8 تشرين الثاني / نوفمبر 2008، تلقت أسرة الداقل، وللمرة الأولى منذ اختفائه، زيارة من قبل عدد من عناصر الأمن الداخلي من بني وليد، أبلغوها بخبر وفاته، دون إعطاء مزيد من التفاصيل، لا عن تاريخ الوفاة ولا عن الظروف التي حدثت فيها الواقعة، واكتفوا بمطالبة عائلته "بالإعلان عن وفاته" وأبلغوها بأنهم سوف يسلمونها قريبا شهادة وفاة.

وبعد بضعة أيام، سلّم نفس العناصر من الأمن الداخلي الأسرة شهادة مؤرخة في 6 تشرين الثاني / نوفمبر 2008 تفيد بأن السيد عبد الحميد الداقل قد توفي في طرابلس في 23/6/1996، وقد تم تسجيل هذه الوفاة في سجلات الحالة المدنية لعام 2008

وتجدر الإشارة إلى أن يوم 23 حزيران / يونيو 1996 يمثل تاريخ وقوع واحدة من أكبر المجازر المرتكبة ضد السجناء في التاريخ المعاصر، مجزرة أودت بحياة، وفق ما ذكرته بعض المصادر المتطابقة، ما لا يقل عن ألف معتقل داخل سجن أبو سليم على أيدي عناصر من مصالح الأمن الليبية بتوجيه من رئيس الاستخبارات.

بحسب هذه المصادر، كان السجناء يهدفون من خلال احتجاجهم التعبير عن سوء ظروف احتجازهم، وعلى كون أن البعض منهم لم يقدموا للمحاكمة رغم قضاءهم أكثر من عقد من الزمان في الاعتقال.

وبعد تلك الأحداث الدامية، لم تنشر السلطات قوائم الضحايا في أي مرحلة من المراحل، ومنعت جميع الزيارات للسجون لعدة سنوات، مما جعل الآلاف من أسر المعتقلين يتجرعون كاس الخوف والقلق بشأن مصير أهاليهم.

ورغم إصرار والد السيد الداقل في مطلبه، رفض عناصر الأمن الداخلي تسليم الجثة إلى أهله أو إبلاغهم مكان دفنه.

وكان ذلك هو السبب الذي جعل أسرة الداقل إبلاغ السلطات المعنية برفضها الإعلان عن وفاة ابنهم، على أن يظل الحال كذلك طالما لم تعيد هذه السلطات جثته إلى عائلته، ولم تبلغهم بالأسباب الحقيقية للوفاة بعد تشريح الجثة لتحديد تلك الأسباب بشكل لا لبس فيه. ونشير في هذا الصدد أن الكرامة سبق لها أن راسلت في تشرين الثاني / نوفمبر 2008 المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القانون ، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب بخصوص هذه القضية.

كما تساور أسرة الضحية شكوكا جدية بشأن تاريخ وفاة السيد الداقل، إذ أن هذه الوفاة تم تسجيلها في عام 2008 على سجل الحالة المدنية في طرابلس، في حين تحمل شهادة الوفاة تاريخ 23 يونيو 1996. وهي بذلك تعرب عن مخاوفها من أن تكون حالة الوفاة قد وقعت في الآونة الأخيرة، واستغلت السلطات ذريعة الأحداث التي وقعت في سجن أبو سليم وسيلة لبث الاعتقاد بأن الوفاة حدثت خلال تلك الأحداث. ونظرا لغياب أية فرصة حقيقية لإسماع شكواها إلى أية سلطة قضائية أو إدارية في ليبيا، اضطرت العائلة إلى مراسلة الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة.

ونذكر في هذا الصدد أن ليبيا، باعتبارها طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ 15 أيار/ مايو 1970، وفي اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة منذ 16 أيار/ مايو 1989 فهي ملزمة باحترام تعهداتها الدولية، وضمان إلى مواطنيها التنفيذ الفعال للحقوق المحمية دوليا.

وبناء عليه تطلب الكرامة إلى لجنة حقوق الإنسان ما يلي:
- أن تسجل العديد من الانتهاكات التي ارتكبت من قبل مسؤولي الدولة، منها على وجه الخصوص انتهاك الحق في الحياة والحرية والأمن، وعدم التعرض للتعذيب،
- أن تطلب إلى هذه الدولة الطرف بإصدار أمر لإجراء تحقيق دقيق وسريع في اختفاء ومقتل عبد الحميد الداقل، وتقديم تقرير إلى أسرته يتضمن ما تم التوصل إليه من نتائج،

- أن تطلب إلى هذه الدولة الطرف باتخاذ الإجراءات الجنائية اللازمة ضد المسؤولين عن الاختفاء ووفاة عبد الحميد الداقل، وتقديمهم للعدالة والحكم عليهم قضائيا وفقا للالتزامات الدولية التي تقع على الدولة الطرف،
- أن تحث الدولة الليبية على تقديم تعويضات مناسبة إلى كل فرد من ذوي الحقوق من أسرة الضحية جراء ما لحق بهم من الأضرار المعنوية و المادية الجسيمة بسبب انتهاكات الحقوق التي يحميها العهد، والتي تعرضوا لها،

- وأن تدعو الدولة الليبية إلى تقديم تقرير، في غضون 3 أشهر، يتضمن ما اتخذته من إجراءات ردا على نتائج الجنة.