هل الحقوق المدنية والسياسية حكر على الرجل الأبيض؟
يحتفي العالم اليوم، 15 سبتمبر/أيلول 2024، ككل عام، باليوم الدولي للديمقراطية الذي تمّ إقراره من طرف الجمعية العامة الأمم المتحدة في قرارها 62/7 المؤرخ بـ 8 نوفمبر/تشرين الثاني2007، من أجل دعم منظومة الأمم المتحدة للجهود التي تبذلها الحكومات في سبيل تعزيز وتوطيد الديمقراطيات الجديدة أو المستعادة.
تصبو كل الشعوب إلى حكم ذاتها بنفسها، وهذا ما يفترض أن توفره الديمقراطية للمجتمعات التي تختار هذا النظام السياسي. وفي العالم العربي، حتى وإن كان بين الإسلاميين والعلمانيين تباين في مسألة السيادة هل تعود إلى الشعب أم إلى الشريعة، إلا أنهم يجمعون على كون الشعب هو المصدر الوحيد للسلطة.
ترتبط الديمقراطية ارتباطا وثيقا بحقوق الإنسان، وبالتحديد الحقوق المدنية والسياسية. ففي قرارها 2002/46 بعنوان "مزيد من التدابير لتعزيز وتوطيد الديمقراطية"، المؤرخ بـ 23 أبريل/نيسان 2002، عرّفت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة – التي حلّ محلّها في عام 2006 مجلس حقوق الإنسان – الديمقراطية بالعناصر الأساسية التي تتضمّنها، وهي: "(1) احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير وحرية تكوين الجمعيات؛ (2) إمكانية الحصول على السلطة وممارستها بمقتضى سيادة القانون؛ (3) عقد انتخابات دورية حرة وعادلة بالاقتراع العام وبالتصويت السري كوسيلة للتعبير عن إرادة الشعب؛ (4) وجود نظام تعددية الأحزاب والمنظمات السياسية؛ (5) فصل السلطات؛ (6) استقلال القضاء؛ (7) الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة؛ و (8) حرية وسائط الإعلام واستقلالها وتعددها."
إن معظم الدول العربية تحكمها أنظمة تسلطية تقمع كل محاولة للانتقال الديمقراطي وتتمادى في غلق الفضاء السياسي والإعلامي وخنق الأصوات المعارضة وانتهاك حرية الرأي والتعبير وحرية تكوين الجمعيات. وتقوم الدول الغربية، والقوى العظمى على وجه الخصوص، بدعم هذه الأنظمة التسلطية وتحرص على بقائها في الحكم لحماية مصالح غير مشروعة تضمنها لها أنظمة غير شرعية. وفي حين دعمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بقوة التحولات الديمقراطية في أوروبا الشرقية، كان موقفها سلبيا من الانتخابات الحرة والنزيهة التي جرت في العالم العربي مثل الجزائر في 1992، وفلسطين في 2006، ومصر في 2011، وفضلت مساندة الأنظمة التسلطية في هذه الدول ضد القوى السياسية التي اختارتها شعوب هذه البلدان.
وقد أدت هذه الازدواجية الغربية في المعايير إلى الانطباع السائد لدى المواطن العربي بأن الغرب يعتبر الديمقراطية نظامًا لا يستحقه سوى الرجل الأبيض، ولا يصلح لبقية الأجناس بمن فيهم الإنسان العربي والمسلم.
إن منظمة الكرامة منذ نشأتها جعلت من أولويات عملها تعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية للمواطن في العالم العربي، المرسخة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ورفعت الكرامة خلال عقدين من الزمن إلى آليات حقوق الإنسان الأممية المئات من المذكرات القانونية بشأن الانتهاك المستمر لهذه الحقوق في معظم الدول العربية، كما قدّمت الاستشارة لضحايا الانتهاكات.
ومن خلال نشاطها تساهم الكرامة في رفع الوعي الحقوقي في العالم العربي، وتغيير الثقافة السياسية السائدة المبنية على الإقصاء السياسي وازدراء المواطن، والوصول إلى الحكم من خلال الانقلاب العسكري، والحكم التسلطي، لتحل محلها ثقافة احترام شرعية صندوق الاقتراع، والمشاركة السياسية الجامعة لبناء دولة القانون والحكم الراشد والتأكيد على الالتزام بأدوات النضال السلمي في التغيير.