تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

بينما يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، يدفع العديد من الصحفيين والمدونين في العالم العربي ثمناً باهظاً نتيجة التزامهم بتزويد المواطنين في بلدانهم وفي بقية العالم بمعلومات مستقلة وشاملة.

تدأب الحكومات العربية على الانتقام من الصحفيين والمدونين وتنظر إليهم على أنهم مصدر تهديد لاستقرارها وأمنها، وأحياناً على أنهم يهينون رجالات السلطة، فتضايقهم قضائيا وتحتجزهم تعسفيا وفي السر وتقوم بتعذيبهم، وقد يصل الأمر إلى الإعدام أحياناً. وتعمل كل ما في وسعها لكتم أصوات أولئك الذين يكشفون عن الانتهاكات المرتكبة من قبلها.

أما في البلدان التي تشهد صراعات مسلحة، فيواجه فيها الصحفيون خطرا أكبر، وهم عرضة للانتقام من جانب جميع أطراف النزاع. في الدول التي تعتبر عمل الصحفيين والمدونينن الذين ينتقدون سياستها تهديداً للأمن، كان بعض الصحفيين عرضة للملاحقات القضائية والمحاكمات بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم تبادلا هائلاً للمعلومات، قامت العديد من دول المنطقة في الآونة الأخيرة، بإصدار قوانين صارمة تقيّد الحريات وتجرم كل نشاط سلمي أو إعلامي على الشبكة.

يقول رشيد مصلي، المدير القانوني لمؤسسة الكرامة إن "حماية حرية الصحافة واجب الجميع. لأنه بدون تقارير مستقلة، يستحيل ضمان مساءلة رجال السلطة وقد تمر انتهاكاتهم دون أن يفطن إليها أحد"، ويضيف "اليوم نشيد بشجاعة جميع الرجال والنساء الذين يعرضون حياتهم وحريتهم للخطر لتزويدنا بتقارير مستقلة".

دافعت الكرامة طيلة العقد الماضي عن حقوق الصحفيين والمدونين، ضحايا هذه الممارسات غير المقبولة وغير القانونية، ورفعت الشكاوى الفردية نيابة عنهم إلى "آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وما الحالات التي نستعرضها هنا إلا لمحة عن الواقع في جميع بلدان المنطقة.

تتميز قوانين الصحافة والنشر والجرائم الإلكترونية في منطقة الخليج بكونها جد مقيدة للحريات تهدف إلى رصد ومنع الإعلام وكل الأنشطة السلمية والمناقشة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتلجأ السلطات لهذه القوانين بشكل دائم للقبض على الصحفيين والمدونين واحتجازهم في السر.

ففي الإمارات، ألقت قوات أمن الدولة في 13 ديسمبر 2015 القبض على الصحافي الأردني تيسير حسن محمود سلمان، واحتجزته في السر لأكثر من شهرين حرمته خلالها من حقه في الاتصال بمحام أو بأسرته. وأبلغ أفراد عائلته في وقت لاحق أنه احتجز بسبب انتقاده على فيسبوك عام 2014 دعم دولة الإمارات لسياسة النظام المصري تجاه غزة. و لم يتهم تيسير رسميا حتى الآن  كما لم يتم الكشف عن أسباب احتجازه. وحسب أسرته، فإنه يتعرض للتهديدات والضغوطات من جانب السلطات الإماراتية لإرغامه على التوقيع على اعترافات. بينما كان تيسير محتجزاً، رفعت الكرامة قضيته إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بالأمم المتحدة، الذي وجه نداء عاجلاً إلى السلطات دعاها فيه إلى تقديم توضيحات بشأن القضية. وبعد عرضه على قاض، راسلت الكرامة الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي بالأمم المتحدة للمطالبة بالإفراج عنه فورا.

في اليمن، فاقم الصراع حالة حقوق الإنسان المتردية أصلاً، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يقدمون تقارير عن الانتهاكات التي يرتكبها جميع أطراف الصراع. في 9 يونيو 2015، اختطف أفراد مسلحون، من فندق قصر الأحلام، تسعة صحفيين كانوا يوثقون انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات تحالف صالح والحوثيين واحتجزوهم في مكان سري. أطلقت نقابة الصحفيين اليمنيين العضو في الاتحاد العالمي للصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني اليمنية العديد من النداءات مطالبة الحوثيين بالإفراج عنهم لكن دون جدوى. والتمست الكرامة من الأمم المتحدة مطالبة تحالف صالح والحوثيين بالإفراج عنهم فورا، أو الكشف عن مصيرهم لكن جميع المحاولات لم تثمر لحد الآن.

أما في الكويت، فقد أغلقت السلطات جريدة دار الوطن وقناة دار الوطن التلفزيونية على التوالي في آذار/مارس وتموز/يوليه عام 2015، وألغت تراخيص البث والنشر انتقاما من خياراتها التحريرية المستقلة. أثارت الكرامة انتباه المقرر الخاص المعني بحرية التعبير بالأمم المتحدة والتمست تدخله لمطالبة الحكومة بوضع حد للأعمال الانتقامية ضد وسائل الإعلام.

وفي منطقة المشرق المتأثرة بالصراعات، تظل بلدان العراق وسوريا من بين الدول الأكثر خطورة في العالم للصحفيين بسبب الاشتباكات المسلحة وأعمال العنف ذات الدوافع السياسية، فضلا عن الإجراءات القمعية للسلطات. في العراق تم مؤخرا إغلاق مكتب قناة الجزيرة في بغداد من قبل هيئة الإعلام والاتصالات العراقية بزعم التحريض على الطائفية والعنف، في محاولة أخرى لقمع حرية الصحافة. وفي سوريا التي قتل فيها العديد من الصحفيين اعتقل مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وزملائه هاني الزيتاني وحسين غرير واحتجزوا تعسفاً لأكثر من 3 سنوات. ألقي عليهم القبض بعد مداهمة مكتبهم في 16 فبراير 2012 واتهموا بـ الترويج للأعمال الإرهابية من قبل محكمة مكافحة الإرهاب، ولم يفرج عنهم إلا بعد ثلاث سنوات من الاحتجاز التعسفي.

ولا يسلم الصحفيون في البلدان التي تدعي احترامها لحرية الصحافة من المضايقات كما حدث مع الصحفي رامي عيشة في لبنان الذي ألقي عليه القبض في آب/أغسطس عام 2012 وأحيل على المحكمة العسكرية التي قضت بسجنه بسبب تقاريره المستقلة عن الاتجار في الأسلحة. وفي الأردن يستعمل قانون مكافحة الإرهاب الذي يعاقب كل خطاب ينتقد الملك والحكومة والمؤسسات الرسمية لكتم الأصوات ووسائل الإعلام المعارضة أو المنتقدة لسياسات الحكومة، كما حدث مع إياد القنيبي الذي قضت المحكمة بسجنه سنتين بسبب مقال نشره على فيسبوك. الاعتداءات على حرية الصحافة والرأي والتجمع السلمي منهجية في قطاع غزة والضفة الغربية أيضا. في21 نوفمبر 2015، ألقت قوات إسرائيلية القبض على مراسل قناة المجد محمد أديب أحمد سليمان القيق،34 عاماً، من منزله ثم اقتادته إلى سجن الجلمة حيث تعرض للحبس بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب. وجهت له تهمة "التحريض على العنف من خلال وسائل الإعلام"، ولا يزال قيد الاحتجاز الإداري منذ ذلك الحين.

في مصر، زادت السلطات من حدة حملتها الشرسة على وسائل الإعلام المستقلة بمقاضاة العديد من الصحفيين. وتوّج هذا القمع مؤخرا عندما داهمت قوات الشرطة، في 1 مايو 2016، للمرة الأولى منذ إنشائها، مقر نقابة الصحفيين وقبضت على اثنين منهم. كما تمّ اعتقال العشرات من الصحفيين بسبب تقاريرهم المستقلة عن سياسات الدولة والتجاوزات التي ترتكبها قوات الأمن ووضعوا في السجن، بتهم فضفاضة بما في ذلك "نشر أخبار كاذبة" و "تقويض الدولة"، مثل الصحافي عبد الله الفخراني الذي حكم عليه في نيسان/أبريل عام 2014 مع صحفيين آخرين بالسجن مدى الحياة .

وقام جهاز الأمن والمخابرات الوطني والأجهزة الأمنية  الأخرى في السودان بمصادرة العديد من الصحف المستقلة في السنوات الأخيرة، ومضايقة الصحفيين قضائيا في إفلات تام من العقاب. وأطلقت سلطات جيبوتي حملة قمعية ضد الصحفيين قبل الانتخابات الرئاسية في نيسان/أبريل عام 2016 واعتقلت تعسفيا الصحفيين المستقلين مثل محمد إبراهيم وايس الذي ألقي عليه القبض في عدة مناسبات خلال السنوات الماضية.

في الجزائر، عانى حسن بوراس، الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان، وعضو مجلس إدارة الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان والذي اشتهر بانتقاده للحكومة الجزائرية والفساد السائد بين المسؤولين في الدولة، عانى العديد من المضايقات القضائية والأعمال الانتقامية بسبب نشاطه، وكانت آخرها ملاحقته بتهمة إهانة الرئيس والمؤسسة العسكرية. ألقي عليه القبض آخر مرة في 2 أكتوبر 2015، وأمضى الأشهر الثلاثة التالية رهن الاحتجاز. رفعت الكرامة إثر ذلك نداء عاجلا إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان في 5 أكتوبر 2015. ورغم الإفراج عنه بعد ثلاثة أشهر، إلا أنه لا يزال قيد المتابعة يواجه خطر الحكم عليه بعقوبة سجنية ثقيلة بسبب انتقاداته السلمية وتقاريره المستقلة.

أما في المغرب، فقد حكم على الصحفي والناشط مصطفى الحسناوي الذي اشتهر بإبلاغه عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، ولا سيما في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء في عام 2003، حكم عليه بسبب تقاريره الصحفية المستقلة في 11 يوليو/تموز 2013 بالسجن أربع سنوات بموجب قانون مكافحة الإرهاب. رفعت الكرامة قضيته إلى الفريق العامل المعني بحالات الاحتجاز التعسفي التي دعا بدوره للإفراج الفوري عنه. وفي 17 آذار/مارس 2015 ألقي القبض على الصحفي هشام المنصوري، البالغ من العمر 35 سنة، و حكم عليه بالسجن 10 أشهر بتهمة "المشاركة في الخيانة الزوجية". وترى الكرامة أن حق الصحفي في محاكمة عادلة قد انتهك وأنه من المحتمل جداً أن الأسباب الحقيقية وراء التهم الموجهة إليه تتعلق بأنشطته كصحفي وداخل جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان مثل "الرابطة المغربية للصحافة الاستقصائية. أفرج عنه في 17 يناير 2016، وسيمثل أمام القضاء مرة أخرى في 23 يونيو 2016 بتمهمة "المساس بأمن الدولة".

لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي
عبر البريد الإلكتروني media@alkarama.org
أو مباشرة على الرقم 08 10 734 22 41 0