الجزائر: لجنة حقوق الإنسان تقر بوقوع انتهاكات جسيمة بحق فاتح ضافر وإعدامه بإجراءات موجزة على يد الدرك الوطني

dafar

بالنسبة لمحمد ضافر، فإن شاطئ العونة (ولاية جيجل، بلدة ساحلية صغيرة شرق الجزائر العاصمة) شاهد على الألم العميق الذي لحق به جراء فقدان ابنه فاتح ضافر، الذي أعدمته قوات الدرك الوطني بإجراءات موجزة.
فقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، خلال جلستها 130 التي عقدت في جنيف في الفترة من 12 أكتوبر إلى 6 نوفمبر 2020، قرارها في قضية فاتح ضافر، ردًا على الشكوى التي قدمتها الكرامة، بتاريخ 25 نوفمبر 2014 نيابة عن الأب محمد ضافر.
كان فاتح ضافر قد اختفى بعد اعتقاله من مكان عمله على يد عناصر الدرك الوطني في 26 نوفمبر 1994. وبعد ثلاثة أشهر وجدت عائلته جثته بين جثث العديد من الضحايا الذين أعدمهم الدرك.
تذكير بالوقائع
فاتح ضافر (34 عامًا) كان يعيش في تيميزرت بالقرب من العوانة حيث كان يعمل مفتشًا للضرائب. وكان في مكان عمله حين اعتقله النقيب بن عودة في 26 نوفمبر / تشرين الثاني 1994 واقتيد إلى مقر اللواء المحلي للدرك الوطني. احتُجز لمدة 70 يومًا، وكان ضحية لسوء المعاملة والتعذيب.
في 3 فبراير / شباط 1995، حوالي الساعة العاشرة مساءً، نقل رجال الدرك بقيادة النقيب بن عودة الضحية مع ستة معتقلين آخرين (شكيرو مراد ولكحل محمد وعمور بوعلام وثلاثة آخرين مجهولي الهوية) من مقر كتيبتهم إلى شاطئ شالات في العوانة. تمت حركة نقل المعتقلين تحت إشراف ضباط الدرك على مرأى ومسمع العديد من سكان البلدة.
شهد العديد من الأشخاص الذين كانوا بالقرب من الشاطئ في تلك الليلة الإعدام الفوري للمعتقلين السبعة على يد النقيب بن عودة ورجال الدرك المرافقين له الذين تركوا جثث الضحايا هناك.
في صباح اليوم التالي، وصل رجال الحماية المدنية إلى مكان الحادث لاستعادة الرفات تحت مراقبة الدرك. ثم نقلوهم إلى مشرحة مستشفى جيجل، حيث ذهبت العائلات خلال النهار للتعرف عليهم. وحرر طبيب القطاع الصحي شهادة وفاة لأحد الضحايا السبع، بناء على طلب والده. ولم يتمكن أقارب الضحايا الآخرين من الحصول على شهادة واضطروا للذهاب سويًا إلى محكمة جيجل لمطالبة المدعي العام بضبط الجناة وفتح تحقيق. ومع ذلك، رفض المدعي العام متابعة طلباتهم وأمر بتشريح الجثة كما يقتضي القانون.
ولم تنجح جميع الإجراءات التي رفعتها أسر الضحايا لتحقيق العدالة. وإزاء تواطؤ السلطات القضائية مع مرتكبي الاغتيالات وخوفاً على سلامتهم وسلامة أقاربهم، أوقف أهالي الضحايا جميع الإجراءات. بعد عدة سنوات فقط، في 5 سبتمبر / أيلول 2000، كتب محمد ضافر إلى وزير العدل ليطلب مرة أخرى بفتح تحقيق دون الحصول على أي رد.
بعد خطوات أخرى في عام 2006، تم استدعاء محمد ضافر من قبل ضابط من مجموعة الدرك الوطني، وهي نفس الوحدة التي أعدمت ابنه بإجراءات موجزة، وأصدر له "تقرير الاختفاء" في الظروف التي "نتجت عن المأساة الوطنية" التي أعلن فيها أن فاتح ضافر كان يعتبر في عداد المفقودين بعد عمليات بحث فاشلة. ثم أصدر له نفس الضابط شهادة وفاة دون تحديد أسباب وظروف الوفاة.
في ظل عدم وجود سبل انتصاف محلية فعالة وفي مواجهة استحالة تحقيق العدالة في بلاده، كلف محمد ضافر منظمة الكرامة برفع قضية ابنه إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

قرار لجنة حقوق الإنسان
وافق خبراء اللجنة على طلب محمد ضافر وأقروا بانتهاك الدولة الجزائرية للعديد من أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما المادة 2 الفقرة 3 والمادة 6 الفقرة 1 و 7 و 9 والفقرة 1 من المادة 10 على التوالي، وكذا انتهاك الحق في سبيل انتصاف فعال أمام المحاكم الوطنية، والحق في الحياة، وحظر التعذيب، وأخيراً حظر الاحتجاز التعسفي.
وأكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، في قرارها، رفض السلطات الجزائرية التعاون، ولا سيما في إبلاغ المعلومات أثناء الإجراء. في الواقع، على الرغم من رسالتين متتاليتين للتذكير من الخبراء بدعوتهما السلطات للرد على الشكوى، لم تقدم الأخيرة أي رد ولم تقدم أي اعتراض على الوقائع. ومن ثم أشار الخبراء إلى أن أي دولة طرف في العهد "مطالبة بأن تدرس بحسن نية جميع الادعاءات المتعلقة بانتهاكات العهد الموجهة ضدها وضد ممثليها، وأن تحيل إلى اللجنة المعلومات التي بحوزتها".
وبعد أن تأكدت اللجنة الأممية من وقائع الاختفاء والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة، وفي غياب أي تفنيد من السلطات الجزائرية، خلصت اللجنة إلى أن الجزائر "حرمت فاتح ضافر من الحق في الحياة في ظروف بالغة الخطورة، حيث كان من الواضح أن هذا الأخير ضحية إعدام بإجراءات موجزة على يد عناصر من الدرك الوطني"، كما أقرّت اللجنة بأن فاتح ضافر تعرض لسوء المعاملة والتعذيب قبل إعدامه وأنه "يُزعم أنه عانى من ضغوط نفسية ومعاناة نفسية شديدة قبل إعدامه". كما لاحظت اللجنة "وقوع أضرار نفسية عميقة لحقت بعائلة فاتح ضافر، جراء إعدام ابنها، فاقم منها الشعور بالعجز منذ سنوات عديدة ابتداء من عام 1994 وصولا إلى 2007"، عندما استطاع الأب محمد ضافر، بعد خطوات عديدة، الحصول على شهادة وفاة نجله.
من جهة أخرى، أشارت اللجنة إلى الطبيعة التعسفية لاحتجاز فاتح ضافر، الموقوف دون أمر قبض ودون تهمة. وغني عن البيان أنه لم يمثل أمام سلطة قضائية كانت ستمكنه من الطعن في قانونية اعتقاله. وبهذا القرار، تحث اللجنة الدولة الطرف على "إجراء تحقيق فعال وشامل ودقيق ومستقل ونزيه وشفاف دون إبطاء في الإعدام بإجراءات موجزة في حق فاتح ضافر"، من أجل "تزويد أسرته بمعلومات مفصلة عن نتيجة ذلك التحقيق"، ومن ثم "مقاضاة ومعاقبة المسؤولين" عن هذه الانتهاكات، و" تقديم تعويض مناسب لأسرة الضحية ".
وبناء على طلب الكرامة، ذكّرت اللجنة مرة أخرى السلطات الجزائرية بأنها لا تستطيع التذرع بهدر حقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بموجب أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي هذا الصدد، حثت اللجنة الدولة الطرف على مراجعة تشريعاتها "وعلى وجه الخصوص إلغاء أحكام المرسوم المذكور التي تتعارض مع العهد".
أمام الجزائر 180 يومًا لإبلاغ اللجنة بالإجراءات التي ستتخذها لتفعيل النتائج ولإعلان القرار على الملأ. كجزء من إجراءات المتابعة التي وضعتها هيئة الأمم المتحدة في ما يتعلق بالشكوى الفردية، فيما ستولي الكرامة أهمية خاصة لتنفيذ هذا القرار من أجل ضمان حقوق الضحايا وأقاربهم وكذلك كرامتهم بشكل نهائي.